علاقات ماليّة معقدة ، فلنا مع الناس أموال وللناس معنا أموال ، وطبيعة الأوضاع التجارية المعقدة تلك جعلتنا نخاف على أموالنا من الضياع ، كما أن شؤون أهلنا كانت تتطلب منا المحافظة عليهم ، والرعاية لأمورهم ، لوجود الصغير والعاجز والمريض والمرأة فيهم ، ممن يحتاجون إلى أولياء قادرين يدبرون أمورهم ، ويحرّكون مصالحهم في خدمة حياتهم ، فقد شغلنا ذلك كله عنك وعن الخروج معك ، وإذا كان ذلك ذنبا يؤاخذنا الله عليه ، لأن طاعتك واجبة بالمستوى الذي تتقدم فيه على كل شؤون الأهل والأموال ، فإننا نعتذر إليك من ذلك ، (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) ليغفر الله لنا.
ويأتي التعليق القرآني على هذا القول ليكشف واقعهم النفاقي : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فهم يختزنون في داخلهم التمرد على النبي وعلى أوامره في حركة الجهاد ، ويفكرون بالمعصية في المستقبل ، بالطريقة التي مارسوها في الماضي ، ممّا يجعل من كلامهم كذبا ونفاقا ، فلم يكن الانشغال بالأهل والمال هو ما منعهم من إجابة نداء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يكن الاستغفار مطلبا حقيقيا لهم ، لأنهم لا يحسّون بعقدة الذنب تجاه ما فعلوه.
* * *
الرسول يردّ أعذار المنافقين
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ، فإنّ اللعبة النفاقية التي تلعبونها في مواجهة الرسول ، وتصرفاتكم معه ، ليست دائرتها الناس ، بل ساحة الله في أوامره ونواهيه ، وفي رسالة الرسول وحركته الرسالية ، مما يجعل منها مسألة خطرة على مستوى حياتكم كلها ، لأن الله هو الذي يملك الأمر كله ، فما ذا تفعلون إذا أراد أن ينزل بكم الضرّ في أهلكم وأموالكم وأنفسكم ، ومن ذا الذي يملك دفع ذلك عنكم؟ هل يستطيع الآخرون منع النفع الإلهي عنكم إذا أراد أن ينفعكم بنعمه وعطاياه؟