بالمستوى الذي لا مجال فيه لأيّ شكّ أو شبهة ، لأن هذا المستوى من القرب لا يمكن أن يخدع العين ، أو يثير الريب في النفس (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) لأن الرّؤيا القلبية تتعمَّق كلما دنت الرؤية البصرية من الشيء ، فلا وجه لمجادلته في هذه التجربة الحسية وإيحاءاتها الروحية ، فإذا كان صادقا في ما يخبركم عن الحس ، فلا بدّ من أن يكون صادقا في ما يستوحيه من ذلك.
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) فتدخلون معه في جدل يثير الشك في ما لا مجال للشك فيه وهو الرؤية المباشرة؟! (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي مرّة ثانية عند ما نزل عليه جبرائيل بهذه الصورة في موقع آخر ، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) وذلك ليلة المعراج ، كما قيل ، ووقع الخلاف في المراد بهذه السدرة ، هل هي شجرة في السماء أو غير ذلك؟ إنه أمر لم يشرحه الله لنا ، فلنكتف بمعرفته المبهمة على الطريقة القرآنية في ذلك في ما لا مجال للدخول في تفاصيله.
(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) التي يأوي إليها المؤمنون (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) مما لا يمكن أن يحيط به الفكر ، أو يقترب إليه الخيال ، فليترك علمه إلى الله الذي أراد أن يجعل الإنسان يحلّق في هذه الأجواء السماوية ، بما يفيض عليه من روحانية العظمة المنفتحة على غيبه ، في ما يتصاغر به الإنسان أمامه ـ تعالى ـ ، من خلال التصاغر أمام خلقه ..
* * *
آيات الله تزيد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يقينا
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) بل كانت الرؤية واضحة دقيقة ، لا مجال فيها لزغللة العين ، بحيث تتجاوز الرؤية الحد الحقيقي والواقعي للأشياء ، فالبصر هنا يلتزم رؤية الأمور والأشياء كما هي في عالم الواقع والحقيقة من غير أي زيادة أو نقصان ، (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) التي زادته معرفة ويقينا ، فاتصلت