في أجواء السورة
هذه السورة التي سميت باسم أوّل كلمة فيها ، هي من سور العقيدة التي كان القرآن المكي يستهدف تعميقها في وجدان الإنسان الإيماني ، ليبعد الذهنية العامة في تلك المرحلة وفي كل مرحلة ، عن الشرك العقيدي أو العبادي الذي يتحول إلى ما يشبه الفوضى الروحية ، حيث يعيش الإنسان الحيرة والتخبط بين أصناف الآلهة المتعددة بتعدد القبائل والبلدان والأشخاص ، مما لا يستقر معه على قاعدة ثابتة توجّه حياته في اتجاه صحيح.
ومن هنا ، كان تأكيد السورة على التوحيد الذي يرى الإنسان به الله وحده ؛ في الرزق الذي هو في السماء في ما يقدره الله للإنسان في الأرض ، وما يمنحه من الطمأنينة في تقديره الذي يغطي للإنسان حاجاته ، فلا يحس بالضياع معه ، وفي تخطيطه التشريعي ، فلا يشعر معه بالأنانية ، بل يطل من خلاله على السائل والمحروم ، ليكون ذلك عنوانا من عناوين التقوى.
ثم يثير الحديث عن العبادة ليجعل منها غاية خلق الجنّ والإنس ، بمعناها الذي يطال كل شؤون الحياة ، ليلتقي الإنسان بها من وحي الوحدة في التصور والتوجه والانقياد والتخطيط لكل ما حوله مما يتصل بعلاقة الإنسان بالله ودوره في الحياة ، في ما تفرضه هذه العلاقة من شروط وأوضاع.
وفي هذا الجو كله ، تنفتح السورة على خلق الأرض التي مهّدها ، وبنيان