يوقف المؤمن عن الحكم بنسبة التسعة والتسعين بالمائة ، فلعل الحق في الواحد ، ولكن ليس معنى ذلك أن يكون المؤمن ساذجا لا يحذر من الاحتمالات المضادة. وورد في نهج البلاغة عن الإمام علي عليهالسلام : «إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ، ثم أساء رجل الظَّنَّ برجل لم تظهر منه حوبة ، فقد ظلم! وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله ، فأحسن رجل الظَّنَّ برجل ، فقد غرَّر» (١).
* * *
حرمة التجسس
(وَلا تَجَسَّسُوا) بالبحث عن أسرار الآخرين الخفية ، مما لا يريدون اطلاع الناس عليه من قضاياهم الذاتية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية وغير ذلك ، لأن الله أعطى الحياة الخاصة حرمة شرعية لم يجز للغير اقتحامها ، وجعل للإنسان الحق في منع غيره من الاعتداء أو التلصّص عليها بأيّة وسيلة من وسائل المعرفة الظاهرة أو الخفية.
وقد يكون من الضرورة التنبيه على أن هذا المبدأ الاجتماعي لا يشمل الحالات التي تمس فيها المصلحة العليا للإسلام والمسلمين والتي قد تستدعي الاطلاع على بعض الأوضاع الخفية للأشخاص والمواقع والأحداث المتعلقة بالآخرين ، مما يخاف ضرره ، أو يراد نفعه ، أو يركز قاعدته ، فيجوز لوليّ أمر المسلمين اللجوء إلى هذا الأسلوب في نطاق الضرورة الأمنية والسياسية والاقتصادية ، انطلاقا من قاعدة التزاحم بين المهمّ والأهمّ ، لتغليب المصلحة التي تقف في مستوى الأهمية القصوى على المفسدة الناشئة من التجسس ، فإن حرمة المسلمين تتقدم على حرمة الشخص أو الأشخاص في ذلك كله.
* * *
__________________
(١) نهج البلاغة ، قصار الحكم : ١١٤ ، ص : ٤٨٩.