(أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الذين يجسدون في موقفهم ومعاناتهم صدق التزامهم الفكري والقولي ، من خلال عطائهم الشامل الذي يمتد حتى يطال حياتهم نفسها ، لتكون هي التضحية التي يقدمها المؤمن للإسلام.
(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) في ما تحاولون إعلانه من مواقف لتأكيد صدق إيمانكم ، والحصول على ثقة المجتمع الإسلامي التي يمنحها للمؤمنين الصادقين ، فإذا كنتم تسعون لخداع الناس عبر مظهركم ، فهل تستطيعون خداع الله في الواقع؟ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) في ما يخفى على الناس أو ما يظهر لهم ، فلا يغيب عنه شيء من ذلك كله ، فهو ينفذ إلى أعماق الفكر والشعور ، كما ينفذ إلى أعماق البحار وظلام الكهوف ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لأن علمه مطلق لا حدّ له في المكان والزمان.
* * *
المنافقون يمنّون على الرسول بالإسلام
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) في محاولة للإيحاء بأن الرسالة شأن خاص متعلق بذات الرسول ، مما يجعل من الانتماء إلى الإسلام ، انتماء إليه ، وتقوية له ، الأمر الذي يجعل المنتمي يمنّ على الرسول باعتبار أن ذلك يمثل خدمة شخصية له ، كما هي حال الذهنية القبليّة التي ترى في الارتباط برئيس القبيلة معروفا يقدّم إليه ، ويطلب العوض منه على أساسه.
ولكن الله يرد على هذا المنطق ليعرِّفهم بأن الرسالة ليست مسألة خاصة بالرسول ، لأن دوره فيها هو دور التبليغ في ساحته الرسولية ، بل هي أن الإسلام دين الله الذي أنزله على عباده ليصلح أمرهم ، وليدفعهم إلى الإيمان كحاجة حيويّة لتحريك وجودهم نحو الخط المستقيم الذي يرفع مستواهم ، ويعمِّق إحساسهم بإنسانيتهم ، وينقذهم من نقاط ضعفهم ، ويعطيهم القوّة ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويبعدهم عن الزوايا الضيقة التي تحبسهم في