وعي إيماني ، بل كانوا مجرد أتباع هامشيين للمستكبرين وللمضلّلين ، الذين يدعونهم إلى الكفر بالله ، والإشراك به ، والسير على خط الانحراف في العقيدة والسلوك ، مما جعلهم طعما للنار (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤].
وقد ذكر بعض المفسرين ، أن الواقع يفرض أن تعرض النار على الكفار ، لأن الذي يملك العقل والإحساس هو الذي تعرض عليه الأشياء الجامدة غير الحيّة لينفعل بها ، ولكننا نلاحظ على ذلك أن التعبير هنا كنائي وليس واقعيا ، إذ يصوّر النار مخلوقا حيّا يجوع ويشبع ، ويتطلّب الغذاء الذي يحتاجه ، كما ورد في قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] ، وهو أسلوب هدفه التحقير من شأن هؤلاء المستكبرين الذين كان الناس في الدنيا يعرضون عليهم ليذلّوهم أو ليسجنوهم أو ليقتلوهم ، في موقف الاستضعاف الطاغي لإنسانيتهم.
* * *
النار مأوى العابثين المستكبرين
وهكذا يقف هؤلاء أمام النار ، قبل أن يأتي الأمر الإلهي بإدخالهم إليها ، ليروي الملائكة لهم تاريخهم اللَّاهي العابث المستهتر المستكبر على الله والناس ، الذي تحوّل إلى هذا المستقبل الحقير المهين ، وليتعرّف الناس ، من خلال هذه الصورة المرعبة ، كيفية تفادي الدخول في ما يؤدي إلى ذلك المصير.
(أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) واستفدتموها بعد أن أسرفتم فيها ، في معصية الله ، (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) فقد كان يخيّل إليكم أن الأخذ بمتاع الحياة الدنيا هو المحدد لقيمة الإنسان ، فالمرحوم منها لا يملك مستوى الإنسانية في مفهومكم ، والآخذ بها هو شخص ذو قيمة في مجتمعكم. (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ