ظنون المشركين
لقد كان للرسالة في وعي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وضوح التقت فيه الرؤية البصرية والرؤيا القلبية بحيث لم تدع مجالا للشك بكونها حقيقة ، ولكن ماذا عن هؤلاء المشركين ، وما هو الأساس الذي يرتكز عليه اعتقادهم بهذه الأوثان وعبادتهم لها؟ هل هناك وضوح في الرؤية وصفاء في التفكير ، وهل لديهم حجة على خط العقيدة وخط السير ، أم أن القضية ترتكز على مجرد أوهام وظنون وتخيلات؟
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) وهي الأصنام التي كان العرب يعبدونها ، فاللات كانت لثقيف بالطائف ، والعزى كانت لغطفان ، ومناة لهذيل وخزاعة ، وقيل : إنها تماثيل للملائكة التي يعتبرها العرب من الإناث ، أو أنهم كانوا يعطون هذه التماثيل صفة الأنثى ، ويجعلونها من الشفعاء عند الله.
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) ففي تقاليدهم الجاهلية كانوا يميزون الذكور على الإناث ، ويرون في الإناث عارا عليهم ، لأن واقعهم مبنيّ على الغزو والاسترقاق ، فكيف ينسبون الإناث إلى الله ويحتفظون لأنفسهم بالذكور؟ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي جائرة لا تخضع للعدل في ميزان التقييم بالقياس إلى المفهوم السائد عندهم ، أمّا عند الله ، فلا فرق بين الذكر والأنثى ، فكل واحد منهما مخلوق له ، ولا علاقة له بأحدهما دون الآخر ، فالجميع متساوون أمامه في العبودية ، كما أن هذه الأصنام لا تملك أية قدسية في ذاتها ، وليس لها أيّ دور في القرب من الله ، لا في الفضل ولا في الشفاعة ، بل هي مجرد أشياء جامدة ليس لها من المعنى إلا الاسم ، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) في ما أطلقتم عليها من صفة الألوهية ، تماما كما هي الكلمات التي يخترعها الناس لبعض ما يتخيلون ، (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) الذين درجتم على تتبع ما ساروا عليه دون وعي أو مناقشة أو تأمّل ، تقليدا لهم ، ولكن (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) لذا فلا حجة لكم على ما أسبغتموه عليها من صفات ، وما تخيلتموه لها من دور ،