معه في هذه اللامبالاة التي توحي بالاستخفاف والغطرسة ، (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) اتهمه بالسحر تارة ليسقط تأثير معجزته على من حوله ، كي لا يؤمنوا به من خلالها ، وبالجنون أخرى ، لإبطال تأثير دعوته إلى الإيمان بالله والتوحيد في عبادته ، والإخلاص في طاعته ، وإلى إنقاذ المستضعفين من سيطرة الحكم الاستكباري الطاغي المتمثل بحكمه.
وتختصر الآية الموقف الفرعوني كله ، لتصل إلى الأخذ الإلهي الحاسم الذي استأصل قوة هؤلاء وجعل الغلبة للحق في رسالة موسى عليهالسلام. (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) حيث غرقوا جميعا (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي ملوم ، لا يملك عذرا لما قام به ، ولا حجّة لما عمله بقيادته جنوده إلى الهلاك ، فانظروا عاقبة الذين طغوا وبغوا في البلاد وتنكّروا لرسول الله.
* * *
وفي عاد وثمود ونوح
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) التي لا تنفع الحياة شيئا ، خلافا لحال الرياح التي تنشئ السحاب ، وتلقح الشجر ، أو تذرو الطعام ، بل هي ريح تنتج الهلاك الذي يزهق الأرواح ، ويهدّم الدور ، ويقصف الأشجار.
(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) في محيطها الذي تتحرك فيه (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) إلّا أهلكته وجعلته شيئا باليا .. وتلك آية لمن أراد الاعتبار ، فهل نفهم جبروتهم واستكبارهم وتمرّدهم على الله ورسوله؟!
(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) إذ أمهلهم نبيهم صالح لما عقروا الناقة ثلاثة أيام ليرجعوا عن كفرهم وعنادهم ، وذلك هو قول الله تعالى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥].
(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) وتمردوا عليه واستخفّوا بوعيده ، واعتبروا عقر الناقة