الراكعون الساجدون
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) في مظهر العبودية الخالصة لله سبحانه ، الذي يعبّر عن ركوع الكيان كله له ، وسجود العقل والروح والوجدان والحياة كلها لعظمته ، بما يوحيه ذلك من روحانية فيّاضة بالطهر والحب والصفاء والنقاء ، (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) فهم مشدودون إلى الله في كل حاجات الحياة المادية والمعنوية ، لا يتطلعون إلى غيره في أي من حاجاتهم ، ويتطلعون إليه بأحلامهم في الحياة الاخرة حيث ينتظرون لطفه ورضوانه ، مما يجعل حياة المجتمع الإسلامي مرتبطة بالله في جميع أوضاعها العامة والخاصة.
(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) وهي علامة الإيمان الواضح في وجوههم ، ذلك أن كثرة السجود على جباههم التي تلتصق بالأرض ، يترك فيها تأثيرا بارزا عليها يميزهم عن غيرهم.
* * *
مثلهم في التوراة والإنجيل
(ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) في ما جاءت الإشارة فيهما إليهم عند الحديث عن رسول الله وأصحابه ، (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) وهو أفراخ الزرع المتولدة منه ، (فَآزَرَهُ) أي : فأعانه ، (فَاسْتَغْلَظَ) أي أخذ في الغلظة من حيث الحجم ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أي استطال على ساقه ، (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) الذين ينظرون إليه فيجدون فيه زرعا قويّا يانعا مثمرا.
وهذا تصوير للمجتمع المؤمن الذي يتكامل ويتنامى ويقوّي بعضه بعضا حتى يشكل قوّة كبيرة في العدد والعدّة (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) الذين تزعجهم الوحدة التي تشمل أفراد المجتمع الإسلامي والقوّة المتمثلة فيه (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) لأن الإيمان والعمل الصالح هما