يأتي فيطوّر حركة الفكر فيها. (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) ليعمروا الأرض ، كما عمرتموها ، وليديروها كما أدرتموها حتى ينتهي الأجل ، (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) في عالم الغيب الذي لا يدرك كنهه أحد ، فلا طريق إلى معرفته إلا من خلال الله ، ولن يستطيع الإنسان أن يتعرف إلى طبيعته ، لأن معرفة الإنسان الذهنية تقوم غالبا على التجربة الحسية.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) فهل فكرتم كيف يمكن لوعي البداية أن يفسح المجال لوعي النشأة الأخرى؟ إن المسألة لا تحتاج إلى جهد من التفكير الفلسفيّ ليقتنع الإنسان بها ، بل إن طبيعة الفطرة وإحساس الوجدان ، يفرضان القناعة لمن تذكّر ، لذلك كان من المهمّ أن لا يغفل عن ذلك ولا ينسى ، بل تنطلق الذكرى لتكون النور الذي ينفتح على الحق كله.
* * *
أفرأيتم ما تحرثون .. من زرعه؟
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) من هذا الزرع الذي ينبت تحت بصركم ، هل تعرفون طبيعة البذرة الأولى التي بعثت الحياة ، وكيف تنوَّعت في طبيعتها ، لتتنوع في خصائصها ، وفي طريقة نموّها وفي تفاعلها مع التراب والشمس والهواء والماء والعناصر المتنوعة المبثوثة في الجو من حولها وفي داخلها؟ ثم في كل هذه الأشكال المتنوعة في أحجامها وفي ملامحها ، هذه النبتة تتحول إلى نخلة ، وتلك تتحول إلى شجرة مخضرّة الأوراق أو محمرة ، أو مصفرّة ، أو ما إلى ذلك ، وهذه تتحول إلى سنبلة ، وتلك إلى زهرة ، ونحو ذلك ؛ من أبدع هذا كله ومن خلقه؟
(أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) ما دوركم في إنباته سوى أنكم تحرثون الأرض ، وتلقون البذرة فيها ، وتجرون الماء عليها؟ .. ثم تنتظرون السنّة الإلهية لتبدأ رحلة الحياة في البذرة ، وتنمو نموا كاملا إلى أن يحين موعد حصاد