المنافقون وموقفهم من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) في اهتمام ظاهريّ يوحي بالرغبة في المعرفة والحاجة إلى الاستفادة ، كغيرهم من المسلمين الذين يجتمعون إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما كان يتلو القرآن أو يعظ أصحابه ، لأنهم كانوا يعملون على إظهار الاندماج في المجتمع المسلم ، كي يكسبوا الثقة الاجتماعية التي تتيح لهم الدخول في مشاريعه والتدخل في أموره ، (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) في لهجة من يريد الاستعلام عن بعض المفاهيم التي لم تتضح له طبيعتها ، ولكنها تحمل إيجاء بأن كلام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير مفهوم لأنه لا يعبّر بوضوح عن فكره ، مما يجعل السامعين لا يفهمون ما يريد ، فيبادرون إلى الاستفهام ممن يملكون العلم ، ليروا هل أن المسألة هي مسألة قصور فهم لدى السامعين ، أو مسألة قصور تعبير لديه؟! وربّما كان حديث القرآن عن تساؤلهم ذاك واردا مورد الإيجاء بأن استماعهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن ناشئا عن وعي لكلامه ، بل كانت قلوبهم لاهية عنه ، مشغولة بأفكار أخرى كانوا يفكرون بها أثناء حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهم في واد والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في واد آخر ، ولهذا كانوا يبادرون إلى سؤال أهل العلم الذين كانوا يستوعبون كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليحدثوهم عنه ، كي ينقلوا الكلام إلى الناس عند ما يبادرونهم إلى السؤال عما سمعوه ، لئلا يقعوا في الإحراج إذا ما امتنعوا عن الجواب لعدم فهمهم أو وعيهم له ، وربما كان سؤالهم واردا مورد السخرية من المؤمنين ليجعلوهم يرددون الكلام عدّة مرات ، سخرية بهم. وهكذا كان جوهم النفسي السائد هو التعقيد الذي ينمّ عن الخبث والبعد عن الله ورسوله.
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) فأغلقها عن الانفتاح على الحق ، بعد ما أغلقوها بكفرهم ونفاقهم ، مما يجعل من نسبة الفعل إلى الله نسبة قائمة بقانون السببيّة الذي جعله الله أساسا للترابط الذاتي بين الأشياء ، مما يجعل الفعل الصادر من الشخص يحتّم نتائجه على هذا الأساس ، فالفعل هو فعل