(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) فليست القضية عندهم قضية قناعة ذاتية بما يقولون عنك ، بل هي قضية رفض معقد للإيمان ، بعيدا عن حركة العقيدة الفكرية. فإنهم إذا كانوا جادّين في اعتبارهم القرآن كلام بشر يدّعيه الرسول وينسبه إلى الله ، (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في دعواهم هذه ، لأن البشر يمكن أن يتحدى كلام بشر مثله ، ولكنه لا يستطيع أن يتحدى كلام الله.
* * *
أين قدرتكم لتتحدّوا ربّ العالمين؟!
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) وهذا هو بداية التساؤل الذي يطرح المسألة في نطاق قدرتهم ليطرح المسألة من جميع جوانبها ، فهؤلاء الذين يقفون موقف التحدي لله ورسوله ، وهم المخلوقون الذين كانوا عدما ، كيف وجدوا؟ هل كان وجودهم مجرد صدفة أنتجتها حركة الوجود؟ وكيف يمكن لموجود لا يملك في ذاته ما يحتّم وجوده ، أن يوجد بذاته؟ فكيف خلقوا من غير شيء؟ (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) الذين خلقوا أنفسهم ، وكيف يخلق الإنسان نفسه من العدم ، وإذا تجاوز التساؤل وطال إلى السّماوات والأرض التي يقفون عليها ويستظلون بها (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) حتى يقفوا هذا الموقف المتحدي الذي يوحي باستعراض القوّة أمام الله ، وكيف تعقل مثل هذه الفرضية التي يعرفون عدم صدقها في واقعهم الحياتي؟! (بَلْ لا يُوقِنُونَ) لأنهم لا يأخذون بأسباب اليقين لما يعيشونه من أجواء اللّامبالاة التي تمنعهم من تركيز أفكارهم في دائرة التوحيد ، وتدفعهم إلى اتخاذ مواقف غوغائية وإطلاق كلمات لا معنى لها ، كما أنهم لا يملكون قدرات أخرى تمكنهم من تأدية الدور الذي يريدون أن يلعبوه في حياة الناس ، وليؤكدوا قوتهم من خلاله.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) المادية والمعنوية ليمنعوا من يشاءون ، أو ليعطوا من يشاءون من النبوّة والمال والملك والقدرة ونحو ذلك ، (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)