الناس ، والجنون لإسقاط حركة الوعي في رسالتك ، فلست ، بما أنعم الله عليك من وحي صاف صفاء القدس الإلهي ، ومن عقل واع يمنح العالم عقلا ، ويحرك عقول الناس في اتجاه الفكر العميق المتزن الممتد في رحاب الحياة كلها ، كما يقولون.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ليجعلوا القرآن ، وهو وحي الله ، شعرا ينسجه الخيال ، ويتحرك في آفاق الوهم مما لا يلتقي بالصدق إلا قليلا ولا ينفتح على الحق إلا بالصدفة ، ولا يملك من الفكر المتوازن أي أساس ، فلنترك لخياله الشاعري مجال التعبير ، فلن يستطيع أن يغير شيئا من أوضاعنا ويبعدنا عن أوثاننا المقدسة ، وسينتهي الأمر به إلى الهلاك ، فنرتاح من كل مشاكله المثيرة المزعجة. (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) لأن الانتظار لن يوصلكم إلى ما تريدون ، ذلك أن الرسالة ستفرض نفسها على الواقع وستؤكد مفاهيمها في حركة الإنسان والحياة ، وستهزم الوثنية وكل خطط الشرك ، وقد يموت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكن الرسالة لن تموت ، لأنها وحي الله الذي يرعى رسالاته بما يرعى به الوجود كله ، وهذا هو الفرق بين انتظار الرسول وانتظار خصومه ، فهم ينتظرون موت الرسول لانتهاء الرسالة لأنهم يربطونها بحياته كشخص في تفكيرهم ، أمّا الرسول ، فينتظر انتصار رسالته ، ويترقب انفتاح قلوبهم على الحق من حيث يريدون أو لا يريدون ، كما ينتظر عذاب الله الذي يحل بهم في الدنيا والآخرة إذا أصرّوا على شركهم وانحرافهم.
ومن هنا كان الرسول هو الأقوى في التربص ، بينما كانوا في موقف الضعف ، (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) المنطق العدواني المبني على الأوهام الضالة والأحلام ، أم هي عقولهم الساذجة التي لا تقودهم إلا إلى الضلال ، (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) فهم يعرفون الحقيقة الرسولية في شخص الرسول ، ويملكون اليقين بالرسالة المنطلقة من وحي الله ، ولكنهم يتمردون عليها طغيانا وكفرا وعنادا بسبب شخصياتهم المعقدة التي تعيش الاستكبار بعنوان تميز الذات أو الطبقة ، (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) في ما ينسبونه إليك من الكذب على الله ، ومن اختلاف الرسالة؟