المنافقون على المحك
وهذا حديث عن المنافقين ، وهم الفئة المستورة من الكافرين ، لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان ، في سبيل التأثير السلبي على حركة الإسلام في الدعوة والحياة ، عبر استعمال قدراتهم الذاتية في إرباك الواقع الإسلامي من الداخل ، أو عبر تحالفاتهم العدوانية مع المشركين واليهود الذين يشكلون المجتمع المعادي لعقيدة الإسلام ومجتمعة ، الأمر الذي جعل منهم مشكلة صعبة في عهد النبوّة المدنيّ الذي كان يعمل النبي فيه على تمتين قواعد المجتمع على مستوى المنهج والعلاقات ، وعلى تركيز الثبات في مواجهة التحديات ، وفي تحريك المواقع ، فقد كان المنافقون يعملون على إيجاد عوامل الاهتزاز الروحي الذي يفقد المسلمين ثقتهم بأنفسهم ، ويخلق لديهم التوتُّر الشعوري الذي يؤدّي بهم إلى الارتباك والبعد عن التوازن والتركيز الفكري والعملي. وكانوا ـ أي المنافقين ـ يواجهون المواقف بطريقة تختزن في داخلها الحقد والتآمر والعدوان ، وتظهر المحبة والغيرة والصداقة ، فيجتذبون بعض البسطاء إليهم ، ويثيرون الشبهات في حركة الرسالة والرسول ، ويستغلّون مواقعهم العائلية والاجتماعية للوصول إلى أهدافهم المشبوهة.
وقد خاض الإسلام معركته مع النفاق ، فكريا وعمليا ، كما خاضها مع الكفر ، ولذلك جاءت الآيات القرآنية المتكررة التي تحدّثت عن ملامحهم وأوضاعهم وخططهم ، لتصنع وعيا إسلاميا داخليا يطوّقهم ويحاصرهم ويفسد مخططاتهم ويمنعهم من الوصول إلى أهدافهم ضد الإسلام والمسلمين ، ولكنّه لم يدخل معهم في معركة عسكرية ، لأن الظروف التي كانت تحيط بالواقع الإسلامي لم تسمح بذلك ، لا سيّما في أجواء التحديات الصعبة التي كان يتعرض لها من قبل المشركين واليهود في حربه معهم ، مما كان يفرض البعد عن الصراع الداخلي وتحصين الموقف بما يحميه من السقوط.
* * *