الحقيقة الإيمانية التي تؤكدها الآية ، فالإنسان مخلوق لله وحده ، فهو لم يخلق نفسه ، ولم يخلقه أحد من المخلوقات الأخرى ، وإذا كان الله هو الخالق له ، فمن الطبيعي أن يكون مطّلعا على كل شيء في داخله ، حتى الهمسات الروحية ، والوسوسات الفكرية ، والنبضات الشعورية ، والخطورات الخيالية ، فهو مكشوف لله بكل ما يتحرك في الفكر والشعور والخيال ، فلا يملك الإنسان أن يحمي نفسه من علم الله بما في نفسه ، وبالتالي فإنه لا يستطيع الدفاع عن انحرافه بما قد يتعلل به من عدم القناعة في القضايا المثارة أمامه.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) وهو عرق متفرّق في البدن فيه مجاري الدم ، كما قيل ، أو هو العرق الذي في الحلق ، كما قيل ، وهو تعبير كنائي عن القرب الإلهي من الإنسان بالمستوى الذي لا يدنو فيه إليه أقرب أعضائه الممتزج بمجاري دمه ، مما يجعل معرفة الله بالإنسان في داخله الفكري والشعوري ، أمرا في الدرجة العليا من الوضوح.
وربما كانت المسألة تطل في الإيحاء التعبيري على الآية التي تتحدث عن (أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤] ، وهو نوع من التخييل الغني الذي يثير في الوعي الإنساني الشعور بالهيمنة الإلهية على مجاري فكره ، كما هي الهيمنة التي تنفذ إلى ما هو أقرب إليه من مجاري دمه.
* * *
الملكان الحافظان لأعمال الإنسان
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) وهما الملكان اللذان يحفظان أعمال الإنسان وأقواله ويتلقيانها من خلال ما يملكانه من وسائل ، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي هناك ملك قاعد عن يمينه وملك قاعد عن شماله ، كناية عن الاستقرار والإحاطة. وهكذا يخضع الإنسان إلى رقابة ملائكية من قبل الله بالإضافة إلى الرقابة الإلهية المباشرة ، ويقال : إن اليمين والشمال كناية عن جانبي الخير والشر اللذين