الله أعلم بمن اتّقى
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فهو الذي يملك كل شؤون خلقه في ما يجب أن يتصرفوا به أو يتحركوا فيه ، وهو الذي يملك الثواب والعقاب عند ما يجمعهم لديه ، فيثيب المهتدي ، ويعاقب المضلّ ، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) تطبيقا للعدالة في ما أمر الله به أو نهى عنه ، (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) وهؤلاء هم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) والمراد بكبائر الإثم ، المعاصي الكبيرة التي توعّد الله عليها بالنار ، كما جاء في بعض الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهالسلام ، أمّا الفواحش ، فهي الذنوب الشنيعة التي تتعلق بالجانب الجنسي كالزِّنى واللواط ونحوهما. أمَّا المراد باللمم ، فقد قيل : إن معناه هو الصغيرة من المعاصي ، فيكون الاستثناء منقطعا ، وقيل : هو أن يلم بالمعصية ويقصدها ولا يفعل ، وقيل : هي المعصية حينا بعد حين من غير عادة ، أي المعصية الاتفاقية من دون فرق بين الصغيرة والكبيرة ، وهذا هو ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام.
(إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لمن تعلّق برحمته ، وطرق أبواب مغفرته بالتوبة. (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) بما تخفون من سرائركم ، وما تخضعون له من نقاط الضعف التي تدفعكم إلى المعصية والانحراف عن خط الاستقامة ، وفي ما تلتفتون إليه من التراجع عن ذلك ، والتوبة إلى الله منه ، فهو الذي خلقكم ، (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) التي أنتم جزء منها (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) في موضع رعايته وتدبيره ، ينمِّي أجسادكم وعقولكم ويتعهّدكم بكل مواقع لطفه وعنايته ، (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) لتستعرضوا كل الأوضاع التي تحسّن صورتكم وتزكّي مواقفكم ، ف (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) لما يعلمه من خفايا سريرته ، وحقيقة عمله ، ويطلع من أموركم على ما لا تلتفتون إليه منها.
* * *