وذلك من أجل إدارة المعركة في اتجاه آخر ، يحاول أن يدخل هؤلاء المقاتلين من الكفار إلى الدائرة الإسلامية بعد أن ضعفت قوّتهم ، وتساقطت مواقعهم ، بحيث لم يعد وجودهم في تلك المرحلة خطرا على الإسلام ، لأنه ـ أي الإسلام ـ لا يستهدف القتل من عقدة ذاتية ، بل من مصلحة واقعية ، ولذلك كانت الغاية حسم المعركة لصالح المسلمين ، فإذا تحقق ذلك ، فرض الواقع إيجاد جوّ تنمو فيه الدعوة في نفوس هؤلاء الأسرى ، أو تقوى به ماليا.
(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) إما تمنّون عليهم منّا بإطلاقهم والعفو عنهم ، إذا ما رأى وليّ الأمر مصلحة في ذلك لأن فيهم القابليّة للإسلام ، أو لأنه يرى العفو أسلوبا يخدم الإسلام كدين متسامح وإنساني لا يخاف من إطلاق الأسرى من الأعداء ، ويحافظ على إنسانيتهم ؛ (وَإِمَّا فِداءً) بالمال يدفعه الأسرى الأغنياء أو أقرباؤهم ، لتقوية الموقع المالي للمسلمين ، في الظروف التي يحتاجون فيها إلى المال تبعا لتقدير وليّ الأمر ، (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي أثقالها ، فيلقي المحاربون السلاح ، وتنتهي الحرب بانتصار المسلمين.
* * *
تشريع الأسر بين سورتي محمد والأنفال
وقد يلاحظ البعض أن هذا الحكم المذكور في الآية مناف للحكم المذكور في سورة الأنفال في قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧] ، الدالّة على عدم تشريع الأسر في المعركة إلا بعد الإثخان في الأرض ، الذي قد يوحي بسيطرة المسلمين الشاملة في أكثر من معركة ، بحيث يكونون قد حققوا انتصارا في أكثر من موقع على الأرض ، لا في داخل المعركة نفسها ، لذلك ذهب هذا البعض إلى اعتبار هذه الآية ناسخة لآية الأنفال ، لأن هذه السورة نزلت بعدها.
وأجاب صاحب تفسير الميزان ، وغيره ، بعدم المنافاة بين الآيتين ، لأن آية