فليس لكم إلا الوهم الآتي من التقليد الموروث المنطلق من مواقع التخلف ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) وهو مبنيٌّ على التخيل والرغبة الذاتية والأفكار الطائرة التي لا تستقر على قاعدة ولا تتحرك في آفاق النور. (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) بكل حججه القاطعة التي تقنع الفكر والوجدان ، وتدفع هؤلاء إلى هدى الله.
(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) «أم» منقطعة في معرض الاستفهام الإنكاري الذي يرادف النفي ، فكأن المسألة هي أن الإنسان لا يحصل على ما يتمناه لمجرد التمني ، بل لا بد من أن يكون ذلك منسجما مع طبيعة الأشياء ، فإذا كان هؤلاء يؤلّهون هذه الأصنام عمليا ويعبدونها من دون الله ، لتشفع لهم ولتقرّبهم إلى الله زلفى ، فليس معنى ذلك أن هذا سيحصل في الواقع ، لأن هذه الأصنام لا تمثل ، لجهة الأسرار الروحية الخفية ودرجة القرب من الله ، أيّ معنى ، لأنها ليست شيئا (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) فهو الذي يملك الأمر كله ، وليس لأحد معه أيّ شيء أو أيّ امتياز ذاتي من كل الموجودات الحية وغير الحية.
* * *
الشفاعة لمن يشاء الله ويرضى
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) فالملائكة الذين يتخذهم الجاهليون شفعاء ، ويرمزون إليهم بالأصنام التي يعبدونها ليحصلوا بذلك على شفاعتهم ، لا يملكون شيئا ، لأنهم عباد الله لا يسبقونه بالقول ، وهم يقفون دائما في انتظار أوامره ، وقفة العبيد الخاشعين الخاضعين ، وبذلك ، فإنهم لا يستطيعون الشفاعة من مواقعهم الذاتية ، إلا بعد الحصول على إذن من الله ، فهو قد يأذن لبعض عباده من الأنبياء والأولياء بالشفاعة لبعض الخاطئين الذين يريد أن يغفر لهم من موقع الكرامة لأنبيائه أو أوليائه.
* * *