عباده النافذة الواسعة التي يستطيعون من خلالها أن يطلّوا على الأفق الواسع من لطفه ورحمته ، في حركة رسله الذين يبعثهم لإبلاغ رسالاته إلى الناس كافة ، ليحتوي الجميع في ساحة رضوانه.
* * *
عدم معرفة النبي بالغيب
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) فإن رسالتي هي في الخط الذي تحركت به رسالات الأنبياء السابقين ، كما أن دوري هو دورهم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فليس لكم أن تفرضوا ما توحي به خيالاتكم وأوهامكم من دور للنبي وشخصيته وقدرته على تغيير الواقع الكوني وحركة الكون ونظامه ، فليس لذلك أيُّ موقع في ساحة الحقيقة الرسالية ، (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فلست ـ في ما أملكه من طاقة المعرفة ـ أعلم الغيب ، لأن للغيب أدواته وأسبابه ووسائله التي لا أملكها بصفتي الذاتية كإنسان ، ولا بصفتي الرسالية كنبيّ في ما تفرضه طبيعة الرسالة من دور للرسول ، لأن الرسول يتحرك على ضوء التعليمات الإلهية التي ينزل بها الوحي عليه ، مما يلقي الله إليه من علمه ، ومما يفتح عليه من غيبه ، فإن طاقاته محدودة بما يمنحه الله منها.
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فالوحي هو الذي يحدّد لي خط الحركة ، وهو الذي يحدد لي الخطوات من البداية إلى النهاية ، (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أبلّغكم آيات الله وأثير في قولكم معانيها ، لتكون نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد ، وذاك هو كل شيء في الدور ، وفي الحركة ، وفي الهدف.
وقد نلاحظ في هذا الجوّ القرآني الذي يضع قدرات النبي الذاتية في حدود بشريته ، أن ذلك لا يعني انتفاء علم الأنبياء بالغيب من خلال الوحي الذي يحمل إليهم بعض غيب الله ، كما جاء في حديث القرآن عن عيسى عليهالسلام ممّا كان يتحدث به مع بني إسرائيل : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)