(إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)
ما هو دور المؤمن ، وما هي مسئوليته تجاه الإيمان بالله؟ هل هو الاستسلام للجوّ العباديّ الروحيّ الذي يستسلم للّذّة الروحية في حالة السلم والاسترخاء الأمني ، أم هو الاندفاع في خط مواجهة التحديات الصعبة التي تثيرها معركة الإيمان والكفر ، ليقف بقوّة يستمدها من روحه المرتبطة بالله ، لأن الروح أليست مجرد حالة في المزاج ، بل هي ـ في العمق ـ موقف متصل بقوّة الله وعظمته؟
إن الآية الأولى تتحدث عن نصرة الإنسان المؤمن لله ، وذلك بنصرة دينه وأوليائه ، ومواقع طاعته ورضاه ، فذلك هو الموقف الحاسم الذي لا بد للمؤمن من أن يقفه في ساحة الصراع.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) هل يحتاج الله إلى نصرة وهو ناصر المؤمنين؟ النصرة هنا ليست نصرة الذات الإلهية التي هي فوق العالمين جميعا ، بل هي نصرة الموقف الذي يرتبط بالله في مواقع الرسالة ، عند ما يندفع المؤمنون ليواجهوا أعداء الله ، ليكون الدين كله له. وبذلك يمدّكم الله بأسباب النصر بعين رعايته وعنايته (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) فلا تهتزّ أمام تهاويل الرعب التي يحشدها الأعداء في وجوهكم ، وزلزال الخوف الذي يثيرونه في أفكاركم وقلوبكم ، ولن يفلح الكافرون الذين يخططون ويتحركون في ساحتكم.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) فهم غارقون في وحول التعاسة التي تثقل أرواحهم ، وضائعون في متاهات الخيبة والخذلان والخسران التي تضيع فيها مواقفهم ، وأية تعاسة أشد من أن يتطلع الإنسان إلى مستقبله ، فلا يرى إلا الفراغ القاتل والضياع الهائل ، وينظر إلى مصيره ، فلا يبصر إلا النار ، ويلتفت في الأعالي ، فلا يجد إلا غضب الله وسخطه والدعاء عليه بالتعاسة المطلقة في كل شيء؟! (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) لأنها في طبيعتها في خط الضلال ، لا علاقة لها برحمة الله في شيء ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من قرآنه وشريعته ونهجه