قدرة الله في خلق النطفة
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) هذه النطفة التي يقذفها الرجل في رحم المرأة ، هل تعرفون طبيعة خصائصها وقدرتها على النموّ المتنوّع الذي تتحول فيه إلى علقة ، ثم إلى مضغة ، ثم تتحول إلى عظام ، ثم يكسو الله العظام لحما ، وهكذا تتنوع خصائص هذا المخلوق داخل خلاياه ، فهذه خلايا عظام ، وهذه خلايا عضلات ، وهذه خلايا جلد ، وهذه خلايا أعصاب ... ثم خلايا لعمل عين وأذن وغدد ، وكل واحدة منها تعرف كيف تقوم بالمهمّة الموكولة إليها ، فلا تتداخل في مواقعها ، ولا تضيع عن طريقها. وينطلق السؤال : كيف حدث هذا؟ وما هو سرّ وجود هذه الخلايا وحركتها وتجدّدها وطبيعتها في استمرار الحياة؟ وكيف يتجلى فيها سرّ القدرة ، وعظمة الإبداع؟ وهل أدركتم من خلال ذلك من هو الخالق لها ، ومن هو الذي أودع فيها كل فاعلية الحياة وحركيّة السرّ الكامن فيها الذي يختزنها؟ (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) والترديد ليس في مقام الاستفهام ، لأن كل واحد من الناس يعرف أن دوره هو قذف المني في الرحم ، دون أن يكون له أيّ دخل في تكوينه ، بل كل ما هناك أنه حرّك الجوّ الذي أطلق المني من جسده ، ولكن مهمته تنتهي عند هذا الحدّ لتبدأ النطفة رحلة كاملة في صنع إنسان بقدرة الله ...
وهكذا يبدأ الإنسان رحلة الحياة ، وتمتد به هذه الرحلة إلى أمد ، مهما طال به ، فإنه يبقى محدودا بالموت الذي لا بدّ من أن يطاله مهما امتد به العمر ، ومهما تحركت في داخله القوّة ، فمن هو الذي قدّر ذلك؟ ومن هو الذي دبّره؟ (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) فلن يملك أحد أن يسبقنا في تقديره ، ولن يستطيع أحد أن يسبقنا بالإفلات من ذاك التقدير ، لأننا إذا أردنا شيئا فلا يملك أيّ مخلوق أن ينال من إرادتنا في عمقها التكويني وفي حركتها.
وتمضي السنّة الإلهية التكوينية ، لتجعل من الموت سنّة الحياة التي تؤمّن للحياة التنوع ، فلا تموت الحياة بموت جيل وأفوله ، بل تتجدد مع جيل جديد