الرسول طليعة الرسل ، هو تصديق لما قبله من كتب سماوية ، فقد جاء القرآن بعد التوراة ، فاحتوى في داخلة الكثير من معانيها وشرائعها ، وصدّقها جملة وتفصيلا ، وكان (لِساناً عَرَبِيًّا) ينطق بلغة الرسول الذي نزل عليه ، وبلغة الأمّة التي نزل فيها ، (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والشرك والبغي والعدوان (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) الذين عاشوا الإحسان في فكرهم إيمانا منفتحا على الله وعلى الحياة ، كما عاشوه في حياتهم عملا صالحا والتزاما بالصراط المستقيم.
* * *
التوحيد والاستقامة سبيل الأمن في الآخرة
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) على التوحيد وساروا على الخط الذي يحدده
الإيمان بالله وبربوبيته من منهج فكري وعملي يوحد التصور والشريعة والحركة ، حيث يلتقي الإنسان في كل تلك المواقع بالله ، فلا يلتفت إلى غيره ، ولا ينقاد إلا له ، ولا يلتزم إلا بمنهجه وشريعته وقرآنه.
إن القضية الأساس في الإسلام ، هي قضية التوحيد التي تحتوي الوجود كله ، فهو عقيدة لا تقف حدودها عند حدود اللّاهوت في الأعماق الفلسفية ، بل تدخل في كل شؤون الحياة الخاصة والعامة ، فلا يكون الإنسان توحيديا إلّا إذا استقام في هذا الخط في كل دروب الواقع وساحات الصراع ، فلا ينحرف ذات اليمين وذات الشمال ، استجابة لما يدعوه الآخرون إلى الالتزام به مما لا يرجع الأمر فيه إلى الله ، فإذا اختزن الإنسان التوحيد الإلهي في عقيدته ، وسار في غير دروب الله في نهجه وشريعته ، لم يكن موحّدا بالمعنى العملي أو الحركي. ولذلك فإن معنى الاستقامة في خط ربوبية الله ، الالتزام بالربوبية في كل المواقع التي تتسع لها في الإيجاد والتشريع والتدبير ، بحيث تكون شمولية الإيمان منطلقة من شمولية الله في عمق الوجود وحركته ، فيكون الإيمان كاملا بذلك في البداية والنهاية وخط السير.