ورفضوا الأخذ بأسباب الهداية وهي في متناول أيديهم ، مما أغلق باب الهداية الإلهية عنهم ، لأنّ الله لا يهدي من يصرّ على اختيار الضلال كنهج لحياته.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) في معرض تبرير تركهم للإيمان والتأكيد على أنهم يتميزون عن غيرهم في وعي القضايا الفكرية والعملية ، وفي التزامهم بخط الخير الواضح في طبيعته ، وسبقهم الدائم إليه ، وعدم قبولهم تقدّم أحد عليهم في ذلك ، (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) لأننا السابقون إلى الخير في كل المواقع ، لكننا لم نر فيه ملامح الخير للبشرية (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) أي بالقرآن ، أو بالإيمان في مضمونه الفكري والعملي ، (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي من الأكاذيب القديمة ومن أساطير الأولين ، ولا يستند قولهم هذا إلى قاعدة فكرية تميز بين الصدق والكذب ، وبين الأسطورة والواقع ، بل إلى عقدة الكبرياء الكامنة في عمق شخصياتهم التي تحاول إعطاء مواقفها السلبية من القضايا بعدا منطقيا بادعاء وجود خلل ما في مضمونها. وهذا هو الأساس في كلامهم المذكور في الفقرة السابقة من الآية : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ليصوّروا أن رفضهم للرسالة يتحرك من موقع عدم قبولهم إلا بالخير الذي اكتشفوا أن الدعوة القرآنية لا تمثّله.
(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) فقد أنزل الله الكتاب على موسى ليكون إماما للناس ، فيكون في الموقع المتقدم الذي يحرك أفكارهم ومواقفهم وأوضاعهم ، لأنه يمثل وحي الله مما يصلح أمر الأمة ويبعدها عن الفساد ، كما كان رحمة في مضمونه العقيدي والتشريعي والحركي ، باعتبار أنه يفتح لهم أبواب الخير ، ويغلق عنهم أبواب الشرّ.
(وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) لما قبله من الكتب السماوية ، بما تسعى إليه في مضمونها من تثقيف تدريجي للناس ، وتوعية متحركة لهم ، تلاحق المتغيرات ، والحاجات الجديدة والمواقع المختلفة. ومضمون الكتاب ، في حقائقه الخالدة ، وفي مواقعه المتغيرة ، وفي لغته التي تتنوّع بتنوع مواقع الرسالة التي قد تفرض أن يكون بلغة الأمّة التي أرسل إليها ، لتكون طليعة الرسالة كما يكون