تثاقل مرضى القلوب في مواجهة أمر القتال
ويتابع القرآن حديثه عن المنافقين الذين يعملون على إظهار أنفسهم كما لو كانوا جزءا من المجتمع الإسلامي ، ليحصلوا على مكاسب الانتماء إلى المسلمين دون أن يتحملوا تبعات ذاك الانتماء ، ولكنهم يواجهون في بعض الحالات موقفا صعبا يضعهم أمام الخطر الداهم وجها لوجه ، عند ما تنزل آيات الجهاد لتدعو المسلمين إلى القتال.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) لأنهم يريدون ، دائما ، أن يستمعوا إلى وحي الله ، شوقا إلى كلماته ، ليزدادوا بها إيمانا ومعرفة وروحانيّة تربطهم بآفاق رحمة الله ، أو لحلّ بعض المشاكل المعقّدة التي اختلفوا حولها ، أو في ما أشكل عليهم أمره من الوحي الإلهي ، لا سيّما في مواقع التحديات القاسية التي تفرض عليهم الدخول في معركة مع المشركين ، أو مع غيرهم ، فيتطلعون إلى سور تحدّد لهم ملامح المرحلة الحاضرة أو المقبلة ، وتبيّن لهم مسئوليتهم الشرعية.
(فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) حاسمة في أحكامها ، واضحة في مضمونها ، فاصلة في الموقف ، (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) كواجب شرعي يدعو المؤمنين إلى الانطلاق نحوه في ساحة المعركة التي تفرضها سلامة الإسلام أمام الأخطار الداهمة من قبل الأعداء ، تلقّاها المؤمنون بالرضى والقبول ، لأنهم جاهزون في كل وقت لإطاعة أوامر الله ونواهيه. ولكنّ للمنافقين شأنا آخر ، فهم لم يدخلوا في الإسلام ليقاتلوا الكفر أو ليواجهوا الخطر ، بل دخلوا فيه ، ليكيدوا له لمصلحة الكفر ، وليهربوا من مواقع الخطر ويحصلوا على السلامة ، مما يجعل الأمر بالقتال بالنسبة لهم مأزقا صعبا يحاصرهم من كل جانب ، فإذا حدث مثل هذا الأمر (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) من هؤلاء المنافقين الذين عاشوا حالة النفاق المرضيّة من موقع العقدة الذاتية ، (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) في موقعك القيادي الذي يصدر إليهم الأوامر بالانخراط في صفوف الجيش الإسلامي لمواجهة