الإعراض عن المتولّين عن ذكر الله
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) فلا ينطلقون في كلامهم من قاعدة الإحساس بالمسؤولية عنه أمام الله ، بحيث يحسبون لنتائج الكلمات حسابا دقيقا على مستوى الموقف أمامه ، إنّ عدم إيمان هؤلاء بالآخرة يفسح لهم مجال الكذب في موقع الصدق ، وتصديق الخرافة في دائرة الحقيقة (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) دون أساس لذلك ، لأنهم لا يملكون أيّة معرفة بحقيقة الملائكة كونهم من عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ومن عرّفهم منه بعض الأمور ، (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) لأن للعلم وسائله التي لا يملكون قاعدتها ، كما أشرنا آنفا ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) المحكوم للاحتمالات المبنية على التمنيات من جهة ، وعلى الخيالات والمؤثرات الذاتية من جهة أخرى ، مع عدم وصولها إلى مستوى القناعة ، بل تظل في دائرة الحدس والتخمين ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) لأن الحق ينطلق من موقع النور الذي يطل على القضية والفكرة والواقع بوضوح لا يترك مجالا لمواجهته.
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) فلم ينفتح على الفكر العميق في مضمونه تعصّبا للجهل والتقاليد ، (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) في ما يتطلبه من شهواتها ، التي تحكم علاقاته والتزاماته وأوضاعه ، باعتبارها القاعدة التي تحرِّك حياته كلها ، لأنّ (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فهم يتحركون في هذه الدائرة الضيقة دون أية إطلالة على الآفاق الرحبة للإيمان بالله والسير في خط هداه ، و (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) من هؤلاء ، في ما يعلمه من خفايا أمره ومواقع حركته في المستقبل ، (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) في التزامه بالخط المستقيم في حركة الإيمان بالله ، لذلك فليس دورك هو ملاحقة خلفيات هؤلاء وتطلعاتهم المستقبلية ، بل القيام بمهمّة الدعوة إلى الله بكل الوسائل ، حتى إذا ما واجهت إعراضا معقَّدا متعنِّتا منهم ، ابتعد عنهم لتواجه تجربة جديدة في مواقع أخرى ولتنتظر تطورات جديدة من أحداث أخرى.
* * *