ولكن الله يردّ عليهم كل ذلك بمنطق عقلي يضعهم وجها لوجه أمام المعادلة العقلية التي تقيس الأشياء بأمثالها ، ليقف الجميع على القاعدة التي تحكم كل هذه الأمور : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) فسيموتون وتتلاشى أبدانهم وتتحول إلى تراب تتشابه أجزاؤه ، فلا يتمايز جزء منها عن جزء بالنسبة للناظر العادي الذي يتأمل عناصرها الذاتية ، ولكن الله يعرف كل دقائق تلك الأبدان ومواقعها ، بحيث لا يعجزه تركيبها من جديد ، دون أن يختلط شيء منها ، (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) يحفظ دقائق الأشياء ، فلا يسقط منه أيّ شيء يحتاج إلى حفظه ، وهو اللوح المحفوظ ، كما قيل ، أو أنه كناية عن علمه الذي لا يغيب عنه شيء.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) فليست مشكلتهم أنهم لا يجدون أساسا لمعرفة الحق ، بل المشكلة أنهم يبادرون إلى تكذيب الدعوة دون أن يتوقفوا أمامها ليكفروا ويحاوروا ويتعرفوا وجه الحق فيها ، (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) محتارون ، هل يقبلون الدعوة التي تفرض نفسها عليهم بالحجة والبرهان ، أم يرفضونها لخروجها عما ألفوه في دائرة الحسّ لعدم وجود نموذج قريب من الدعوة في هذه الدائرة الحسية؟!
* * *
السماء والأرض وإمكانية البعث
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) وأقمناها بغير عمد ، (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب المتلألئة في إشراقتها الهادئة التي تشير إلى معنى النور في داخل الظلام ، (وَما لَها مِنْ (١) فُرُوجٍ) وثغرات وشقوق مما قد يحدثه ضغط امتداد الأفق على هذا السقف الكوني؟ أفلا يكون هذا كله دليلا على القدرة التي تصغر أمامها عودة الحياة إلى الميت؟
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) وبسطناها بالطريقة التي يتمكن الإنسان أن يعيش عليها ويتحرك فيها ، (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) وهي الجبال التي تمثل قوّة الثبات في