سطحها وشموخ القدرة في علوّها ، (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) في ما يتنوع به النبات من الخضرة والفاكهة وغيرهما مما يخضع لقانون الزوجية في خلق الله ، وينفتح على الكثير مما تستلذه النفس وتشتهيه الحواس وتتنوع فيه الخصائص ، وتتمثل فيه روعة الخلق وحسن المنظر وتناسق الألوان ، ونحو ذلك مما يدل على عظمة القدرة الإلهية التي تطل على آفاق القدرة في غيرها ، وذلك (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي راجع إلى الله ، فإن الرجوع إليه يبعد الإنسان عن العصبية التي تربطه بالباطل ، وعن التعقيد الذي يمنعه من الانفتاح على الحق ، فيتبصر بكل المواقع التي تفتح النوافذ على النور ، ويتذكر كل الكلمات والمشاهد والتأملات التي تحرك تفكيره نحو الله.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) متنوعة الخضرة والثمار والأشجار ، (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) الذي يزرعه الناس فيتحوّل إلى سنابل يحصدونها ويجدون فيه الغذاء الذي يبني أجسادهم ، (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) أي عاليات (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) وهو أول ما يطلع من ثمر النخل بطريقة منضودة تربط بعضه ببعض ، (رِزْقاً لِلْعِبادِ) في ما يأكلونه ويقيمون به حياتهم ، (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) في يوم البعث ، عند ما تتحرك قدرة الله ، لتمنح الحياة للتراب الذي تحولت إليه أجزاء الجسد الإنساني ، أو للعظام التي يكسوها الله لحما ويبعث فيها الحياة ، تماما كما يمنح الحياة للأرض الميتة من خلال الماء الذي ينزله عليها ، فيتفاعل مع البذور المتناثرة فيها.
لكن القوم يستمرون بتكذيب الرسول ، ويصرون على الشرك ، ولكنهم ليسوا أوّل الكافرين ، وليسوا أوّل المكذبين (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ* وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ) وقد تقدم الحديث عنهم في السور السابقة ، (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) أي ثبت الوعيد الإلهي ، فاستحقوا العذاب كنتيجة طبيعية للترابط بين التكذيب ودخول النار في ما توعد الله عباده الكافرين.
* * *