(بُوراً) ؛ البور : هو الفاسد الهالك.
(سَعِيراً) : نارا حارقة.
* * *
الأعراب يبرون تخلّفهم عن الفتح
كانت واقعة الحديبية تجربة مريرة في المجتمع الإسلامي ، ذلك أن بعض أفراده لم يستوعبوا فكر الرسالة وحركتها وتطلعاتها وأهدافها بروحية الإيمان الصادق ، لأنهم دخلوه بصفته الشكلية دون امتلاك عمق المضمون الروحي المنفتح على الله ، ولهذا كانوا يأخذون من انتمائهم إلى الإسلام المكاسب التي تمنحهم إياها هذه الصفة ، ويبتعدون عن المسؤوليات الصعبة في مواقع الجهاد والتضحية والعطاء ، كما هو شأن كثير ممن يندمجون في المجتمعات القائمة على المبادئ التغييرية ، ويتجمَّدون في داخل شؤونهم الخاصة فيها ، ويعملون على تجميد الحياة من حولهم ، وتعطيل المبادرات الحركية في ساحتهم ، ويثيرون المشاكل في الساحة العامة.
فقد تخلّف هؤلاء عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما استنفرهم ، فلم يستجيبوا لندائه ، بل حاولوا الابتعاد عن المسيرة ، وكان ممّا قالوه : إن محمدا ومن معه ، يذهبون إلى قوم غزوهم بالأمس في عقر دارهم فقتلوهم قتلا ذريعا ، وأنهم لن يرجعوا من هذه السفرة ، ولن ينقلبوا إلى ديارهم وأهلهم أبدا.
وفي هذه الآيات ، حديث عن هؤلاء المخلّفين من الأعراب الذين قيل إنهم من الأعراب المقيمين حول المدينة من قبائل جهينة ومزينة وغفار وأشجع وأسلم ودئل .. وعن منطقهم التبريري في تخلّفهم عن الخروج مع النبيّ ، بعد رجوعه إلى المدينة وظهور الخلل في موقفهم والضعف في إيمانهم.
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) فقد كانت لنا