منطق الطمع في كلام المخلّفين
هذه صورة أخرى من صور هؤلاء المخلّفين ، عند ما توحي مسيرة النبي وأصحابه في بعض معارك الحق والباطل أن هناك نصرا وغنيمة دون أيّ خطر أو خوف ، فنراهم ، عند ذلك ، متحمّسين للخروج إلى المعركة يطالبون بالانضمام إلى المجاهدين ، ولكن النبيّ يرفض ذلك ، لأنهم قد يربكون الموقف بالنوايا السيئة التي تختفي وراء الكلمات ، أو بالمشاعر القلقة التي يعيشونها.
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) من الأعراب (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) عند ما تكون المعارك معارك فتح ، يرزقون فيها المغانم الكثيرة التي يحصل عليها المقاتلون ، (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) طمعا في الحصول على الغنيمة. وقيل : إنها إشارة إلى غزوة خيبر التي شارك فيها المؤمنون الذين كانوا مع النبيّ في سفرة الحديبية ، ولم يشارك فيها غيرهم ، وهي الأولى بعد صلح الحديبية.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) الذي وعد أهل الحديبية أن يخصهم بغنائم خيبر بعد فتحها ، كما سيجيء في قوله : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) [الفتح : ٢٠]. فكأنهم يريدون أن يبدِّلوا كلام الله ، ويظهروا أنه ليس دقيقا في تحديد المستقبل ، بالقول إنهم قد شاركوا في ما قال الله إن أحدا لن يشارك فيه.
(قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) فقد أراد الله للنبي أن يرفض ذلك قبل أن يسألوه الخروج معه ، (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) لأنكم لا تريدون أن نشارككم في الغنيمة ، تماما كما هي عقلية الحاسد الذي يرى في المحسود فضلا ليعمل على إزالته ، أو يتمنى زواله ، فالمسألة ليست مسألة أمر الله ونهيه ، كما تقولون ، بل هي مسألة حسد يبغي فيه الحاسد على المحسود.
(بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) فهم لا ينطلقون في حديثهم وموقفهم من منطلق تفكير ، ولو فكروا لرأوا أن النبي الذي يتميز بالوعي والعصمة ، لا يمكن أن يمنع أحدا من الخروج معه ـ وهو صاحب الأمر في ذلك ـ بهدف منعه من