الذي يجعل الحياة فرصة للعبث ، بل لعبادته ، وتأكيد إحساسهم بالعبودية المطلقة أمام الألوهية المطلقة التي تعطي لكل مسئوليات الحياة معنى يتحرك في وجودهم ، وبذلك تكون الغاية فكرة في تقدير الخالق ، وليست حاجة لديه ، فإن الحاجة إلى خضوع الناس وإلى ما يقومون به من فروض العبادة تجاهه كإله ، تمثل حاجة إلى إكمال نقص يحس به المعبود ويجد في العبادة لونا من ألوان التعويض ، وهذا مما لا يتصور في الله سبحانه الذي تعالى عن أيّ نقص وأيّة حاجة مهما كان نوعها. هذا الجواب هو الذي يوفّق بين معنى الغاية وبين الخط التوحيدي ، لتكون قضية العبادة قضية دور الإنسان في حركة النشاط العام.
* * *
مفهوم العبادة في القرآن
نتساءل بعد ذلك : ما هو مفهوم العبادة في القرآن؟
فهل هي الشعائر الخاصة التي اصطلح الناس على تسميتها بالعبادة كالصلاة والصوم والحج والدعاء ونحوها؟ أم هي مفهوم واسع يتسع لكل النشاطات التي يرضاها الله ويحبها ، ويأتي بها العبد من موقع إحساسه بحضور الله الدائم في كل مفردات حياته الخاصة والعامة ، بحيث يشعر بالذوبان في وجود الله والحاجة الدائمة إليه والارتباط به؟
الظاهر أن المراد بالعبادة المعنى الثاني الذي يتضمن المعنى الأول ، لأن العبادة كشعائر لا تستغرق وجود الإنسان كله ، بل تحتل مساحة صغيرة منه ، بينما تطال العبادة بالمعنى الثاني حركة الحياة العامة والخاصة ، وهذا ما جاء به الحديث المأثور الذي يؤكد أن العبادة تتجسد في العفاف وفي العمل طلبا لكسب عيش الإنسان وكل من يعوله ، وفي طلب العلم ، وفي التفكير ، وفي قضاء حوائج الناس ، وفي كل عمل يرفع مستواهم.
وبذلك كانت العبادة معنى في النفس يتفاعل مع العقيدة التوحيدية ، لتكون