الجن يستمعون القرآن ويتحولون إلى دعاة
هذا ويتحدث كتاب الله عن الجن بشكل متنوّع ، ويضع لوجودهم وطبيعتهم خطوطا عامّة ، لا تسمح للخرافة التي حلفت بها قصص الجن في التراث العربي أن تقترب منها ، فهم مخلوقات عاقلة ، لا تظهر عيانا للناس بشكل مباشر ، وفيهم شياطين يوسوسون للناس بطريقتهم الخاصة ، كما يوسوس شياطين الإنس للناس ، وفيهم مؤمنون يعبدون الله ويخافونه ويدعون إليه ، كما يذكر القرآن أنهم كانوا يقعدون مقاعد ليسمعوا أخبار السماء ، فمنعهم الله من ذلك ، مما يوحي بقدرتهم الذاتية على الانطلاق في الفضاء.
وهذا حديث عن نفر من الجنّ الذين استمعوا إلى القرآن ، فآمنوا به ، وتحوّلوا إلى دعاة للإيمان وللإسلام في قومهم ، بطريقة روحية رائعة.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) أي وجّهناهم إليك بإثارة انتباههم وتفكيرهم نحوك ، حتى بدأوا يفكرون بموقعك الرسالي الذي يفتح للعقل آفاقا جديدة من التفكير ، ويضع الحياة خططا جديدة من التشريع ، مما جعلهم ينطلقون في ملاحقة الموضوع من موقع المسؤولية ، (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) في الموقع الذي يمكّنهم من الاستماع إليه ، (قالُوا أَنْصِتُوا) حتى نعي مضمون الكلمة بدقة ووعي وإيمان. (فَلَمَّا قُضِيَ) وانتهى الرسول من التلاوة ، واستوعبوا ما سمعوه بشكل كامل ، وآمنوا بأنه الحق الذي يجب أن يلتزمه الناس فكرا وعملا ، (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) لأن الإيمان ، في معناه الحركي ، يفرض الدعوة إليه ، فهو ليس حالة خاصة بحيث يختزنه الناس في ذواتهم ، بل هو رسالة عامة تدفع الناس إلى دعوة الآخرين إليه ، ليؤمنوا به ، بحيث يتوسع امتداده في الحياة.
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب السماوية ، أو من التوراة ، باعتبار أنهم كانوا مؤمنين بها ، عاملين عليها ـ