مستثنيات حرمة الغيبة
وإذا كان الله قد حرّم الغيبة للأضرار الناجمة عنها على مستوى الفرد والمجتمع ، فقد ذكر الفقهاء بعض الاستثناءات في الموارد التي قد تكون المصلحة فيها في جانب الغيبة أكثر من المفسدة التي تختزنها ، وبذلك تتدرج المسألة في هذه الموارد في دائرة الفكرة التي تثيرها الآية الكريمة الواردة في الخمر والميسر ، وهي قول الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩] ، مما يوحي بأن كل شيء كانت مفسدته أكثر من منفعته كان حراما ، وبأن كل شيء كانت منفعته أكثر من مفسدته كان حلالا.
ويذكر الفقهاء نماذج من ذلك ، منها : النصيحة للناس ، فقد يحتاج كثير من الأفراد والجماعات إلى النصيحة في القضايا المتصلة بالعلاقات العامة والخاصة في مسائل الزواج والمشاركة والمسؤولية ، ما قد يفرض الحاجة إلى التعرف على مواصفات الأشخاص المعنيين بالموضوع في عيوبهم الشخصية ونقاط ضعفهم العامة ، لتفادي الوقوع في المشاكل المستقبلية إذا قدّر للعلاقة أن تنشأ معهم ، ليكتشفوا العيوب بعد ذلك ، فتكون الغيبة في هذه الدائرة أسلوبا وقائيا يمنع المشاكل قبل حدوثها ، ويجنّب المجتمع من الوقوع في المهالك المرتقبة.
ومنها حالة الظلم التي يحتاج فيها المظلوم إلى الحديث عن ظالمة بعيوبه الخفية المتصلة بمسألة الظلم ، على رأي بعض ، ليرفع الظلم عن نفسه بذلك ، أو في مطلق عيوبه ، على رأي بعض آخر ، ليملك فرصة الدفاع عن نفسه بالهجوم على ظالمة والضغط على سمعته في نقاط ضعفه ، ليتراجع عن ظلمه ، أو ليضغط الآخرون في ذلك ، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨] في ما استثناه من كلام المظلوم بالسوء ضد ظالمة.
ومنها : الحالات التي قد يكون فيها التستر على عيب الشخص مصدر