إنّ بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهمَّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى ، فبدا له في الرجوع ، فخشينا أن يكون إنما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا ، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، يعني الوليد بن عقبة» (١).
وإذا صحّ هذا الخبر ، فإنه يمنح الفهم القرآني للآية الجوّ الميداني الذي انطلقت منه وتحركت به في الواقع الإسلامي آنذاك .. فهناك فاسق لا يتورع عن الكذب ، جاء إلى النبي يخبر عن جماعة مسلمين ، وهناك مشكلة كان من الممكن أن تحدث عند الاستجابة لهذا الخبر ، وهي إعلان محاربة هؤلاء الناس لمنعهم الصدقات ، وتصدّيهم لرسول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بالطرد ، لولا أن يكشف الله لرسوله حقيقة هذا الشخص في فسقه وفي كذبه.
هكذا عاش المسلمون هذه المسألة في واقعهم بشكل حيّ ، لتتحرك القاعدة الشرعية على أرض الواقع ، بحيث تصبح أكثر تأثيرا في وجدانهم ، مما لو كانت مجرد فكرة في الذهن.
* * *
وجوب تبين خبر الفاسق
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في ما يوحي به الإيمان من استقامة على خط الحقّ والعدل ، وانفتاح على الله ، في ما يأخذ به المؤمن أو يدعه في مواقع المسؤولية ، (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) يتعلق بحياتكم الخاصة أو بحياة الآخرين مما
__________________
(١) النيسابوري ، أبو الحسن ، علي بن أحمد الواحدي ، أسباب النزول ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٤ ، م ، ص : ٢١٧.