يمكن أن يؤثر تأثيرا سلبيا على صورة الموضوع الحقيقية من جهة ، وعلى حركة واقع المعنيّ بالنبإ أو من حوله من جهة أخرى ، (فَتَبَيَّنُوا) الحقيقة بطريقتكم الخاصة التي تؤدي إلى الوضوح في الرؤية وتبعد كل عناصر الشك ، لأن فسق هذا المخبر قد يدفعه إلى الكذب في أصل الموضوع أو في تفاصيله ، الأمر الذي يفرض العمل على اكتشاف الصدق أو الكذب في كلامه بشكل حاسم ، لئلا يؤدي تصديقه إلى ما لا تحمد عقباه من ظلم الأبرياء والتصرف معهم بغير حق ، (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) أي لئلا تصيبوا بعض الناس من دون تثبيت أو من دون أساس ، وتكتشفوا بعد ذلك طبيعة الموضوع ، (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) على ما فعلتموه.
وهذا خطّ أصيل يحكم مسألة قبول الأخبار المنقولة عن الناس ، فلا يجوز قبول الخبر الذي لا يكون محل ثقة بسبب طبيعة المصدر الذي نقله لوجود خلل في استقامته الدينية أو عدم إمكانية الثقة بكلامه ، وبذلك نستطيع أن نعتبر القضية دائرة مدار الوثاقة في النقل لا مدار الالتزام بشكل عام وعدمه ، بعيدا عن مسألة الوثاقة وعدمها ، بحيث يكون الأساس هو فسق الناقل في ما يشتمل مسألة الكذب ، لا في ما يبتعد عنه ، كما في الناس الذين لا يلتزمون الحكم الشرعي في حياتهم العامة والخاصة ، ولكنهم يلتزمون الصدق بشكل عام ..
وقد تحدث الأصوليون في علم أصول الفقه حول دلالة هذه الآية ، بطريق الدلالة المفهومية ، على حجية خبر العدل ، على أساس أن المنطوق قد علّق وجوب التبين على مجيء الفاسق بالنبإ ، ليكون المفهوم عدم وجوب التبين إذا لم يجيء به الفاسق بأن جاء به العدل ، وقد أثير حول ذلك إشكالات كثيرة ، لا مجال للحديث عنها الآن.
* * *