(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) هذا الكتاب الذي أنزله الله على رسوله ليبين للناس حقائق العقيدة في توحيد الله وعظمته وفي رسالة رسوله ، وفي الإيمان باليوم الآخر ، فهو الحقيقة المشرقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) مصون من التحريف ، أو مصون من اطلاع غير الملائكة المقرّبين عليه ، إذا أريد بالكتاب اللوح المحفوظ ، (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) من الأدناس أو من الذنوب.
وقد جاء في بعض الروايات ، أن الآية تشير إلى أن غير المتطهِّر من الحدث الذي يستتبع الوضوء والغسل ، لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ، فلا يجوز للجنب والحائض والمحدث مسّ المصحف ، وجاء في الدر المنثور في ما روي عن كتاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمرو بن حزم : «ولا تمس القرآن إلّا على طهور» (١).
وهناك قول بأن المراد بالمسّ ، المسّ التفسيري ، فلا يجوز لأحد تفسيره إلا المطهّرون الذين يملكون العصمة عن الخطأ. وقد جاء في بعض التفاسير أن الآية جاءت ردا على ما قاله المشركون عن القرآن : إن الشياطين تنزّلت به ، فكان الرد أنه لا يقبل مسّ الشيطان له لأنه في علم الله وحفظه ، وقد تنزل به الملائكة المطهرون ، وبذلك تكون الآية نافية لا ناهية.
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) فهو كلام الله الذي أنزله وحيا على نبيه ليكون هدى للعالمين ، يأخذون به في عقيدتهم وفي حياتهم العملية على كل صعيد ، فلا مجال للشّكّ فيه ، كما يقول المشركون الذين قالوا إنه مفترى ، أو إنه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥].
(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أستعير الإدهان هنا للتهاون ، كمن يدهن في الأمر ، أي يلين جانبه ولا يتصلب به ، والظاهر أن المراد به حالة اللامبالاة أو التشكيك التي يمارسونها ضد القرآن أو اليوم الآخر ، فلا يلقون إليه بالا ، ولا يواجهونه بالاهتمام الذي يوحي بالتفكير وبالحوار فيه وفي مفاهيمه ،(وَتَجْعَلُونَ
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ٢٧.