رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى إذا سلك في ثنيّة المرار بركت ناقته ، فقالت الناس : خلأت (١) الناقة ، قال : ما خلأت ، وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها (٢) ، ثم قال للناس: انزلوا ، قيل له : يا رسول الله ، ما بالوادي ماء ننزل عليه ، فأخرج سهما من كنانته ، فأعطاه رجلا من أصحابه ، فنزل في قليب (٣) من تلك القلب ، فغرزه في جوفه ، فجاش بالرَّواء (٤) ...
فلما اطمأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي ، في رجال من خزاعة ، فكلّموه ، وسألوه ما الذي جاء به ، فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا ، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما لحرمته ، ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش ، فقالوا : يا معشر قريش ، إنكم تعجلون على محمد ، إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا هذا البيت ، فاتهموهم وجبهوهم ، وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا ، فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنا العرب.
قال الزهري : وكانت خزاعة عيبة نصح (٥) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مسلمها ومشركها ، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة» (٦). ثم إنّهم بعثوا إليه برجال يتلو أحدهم الآخر ليكلموه في الأمر فيرجعون إلى قريش بما قال لهم الرسول. وبعد ذكر أحوال هذه البعثات ، يتابع ابن هشام في سيرته فيقول :
__________________
(١) خلأت الناقة : بركت.
(٢) وفي رواية البخاري : والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إيّاها.
(٣) القليب : البئر.
(٤) جاش : ارتفع. والرّواء : الكثير.
(٥) عيبة نصح الرسول : أي خاصته وأصحاب سرّه.
(٦) ابن هشام ، السيرة النبوية ، تحقيق : مصطفى السّقا ، وإبراهيم الأبياري ، وعبد الحفيظ شلبي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م ، ج : ٣ ، ص : ٣٢١ ـ ٣٢٦.