أُخْفِيها): تأويله والله أعلم عند أهل النظر : أكاد أظهرها. وتلخيص حال هذه اللفظة : أي أكاد أزيل عنها خفاءها وخفاء كلّ شيء ؛ غطاؤه ... فأخفيها في أنه «أزيل خفاءها» : بمنزلة قوله «لو أننا نشكيها» : أي نترك لها ما تشكوه (١) ، وكأن ابن جني يرى الهمزة في قراءة «أخفيها» بالضمّ هي همزة سلب ، ذلك بأن سلبت معنى الفعل الثلاثي ونقلته إلى المعنى المضاد (٢) ، فالضدية لا تعود إلى اللفظة ذاتها ، وإنّما تعود إلى اختلاف الصيغة الصرفية بين «فعل وأفعل».
وخلاصة القول : انّ السيّد المرتضى قد اهتمّ بالقراءات وبيان حججها ، واختلافها وذكر من قرأ بها ، وعلاقتها باللغة والنحو والدلالة ، وكان وهو يحتجّ بها يذكر من كلام العرب والشواهد الشعرية ما يؤيّدها ، فدلّ بذلك على علم بالقراءات وإحاطة بالمشهور منها والشاذّ وكانت عنايته بالقراءات المشهورة أكثر ، والشهرة عنده سبب من أسباب قوّة القراءة عند الموازنة بينها ـ وإن لم يلتزم ذلك ـ كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) ، وقراءة (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (٤) بفتح العين والباء.
ومع قوله بشذوذ طائفة من القراءات وعدم جواز القراءة بها ، لا يغفل مالبعض منها ـ الشاذّة ـ من اعتبارات وقيم معنوية ولغوية ، ولا يهمل توجيهها والاحتجاج لها ، كما رأينا ذلك في توجيهه لقراءة سعيد بن جبير (أَكادُ أُخْفِيها) (٥) بفتح الهمزة ، والاحتجاج لها بالشعر وتخريجها دلاليا.
وعلى الرغم من عناية المرتضى بالقراءات المشهورة ، إلّا أن ذلك لم يمنع من الموازنة بينها وترجيح بعضها على بعض من دون أن يعني هذا الترجيح إسقاط المرجوح وقبول الراجح وحده ، فالمرتضى لم يقف عند توجيه القراءات المشهورة وبيان عللها وحجج القراء فيها فحسب ، بل أبدى رأيه في طائفة منها ، بترجيح بعضها على بعض ، واختيار ما رآه الأقوى منها ، مستعينا على ذلك باللغة
__________________
(١) سرّ صناعة الاعراب ، ١ : ٤٣.
(٢) ينظر الاضداد في اللغة : ١٩٠.
(٣) سورة الضحى ، الآية : ٧.
(٤) سورة المائدة ، الآية : ٦٠.
(٥) سورة طه ، الآية : ١٥.