في قولهم : أطمتك تمرا أو أحلى منه ، لأن أحلى منه معلوم» (١). لكن المرتضى يرفض هذا القول ، ويرى أنه ليس بشيء ، لأنهم وإن لم يشاهدوا أو يعرفوا ما هو أشدّ قسوه من الحجارة فصورة قسوة الحجارة معلومة لهم «ويصحّ أن يتصوّروا ما هو أشدّ قسوة منها ، وما له الزيادة عليها ، لأن قدرا ما إذا عرف صحّ أن يعرف ما هو أزيد منه أو أنقص ، لأنّ الزيادة والنقصان إنّما يضافان إلى معلوم معروف ، على أن الآية خرجت مخرج المثل ، وأراد تعالى بوصف قلوبهم بالزيادة في القسوة على الحجارة أنها قد انتهت إلى حدّ لا تلين معه للخير ... فصارت من هذا الوجه كأنها أشدّ قسوة منها تمثيلا وتشبيها» (٢).
ولا شكّ أن هذا الكلام يتوافر فيه عنصر الاقناع والاقتناع ، وهو يدلّ على عمق ثقافة المرتضى ، وفهمه لأساليب العرب ، إذ لا يستطيع الخوض في هذا المضمار إلّا من أوتى حظّا وافرا من سعة اللغة ومعرفة بأساليبها ، وقد عرف المرتضى باتساعه بهذا الجانب ، وله تأمّلات طويلة في نصوص شعرية ، كشف ما غمض من لغتها (٣) ، ولولا إطّلاعه الواسع على الشعر واللغة لما استطاع أن يفسّر الرموز اللغوية ويتعرف على مختلف معانيها ، وهنا نلحظ أن النزعة العقلية لا تفترق عند المرتضى عن الشاهد الشعري ، فهو يحتج بالشاهد الشعري ، وفي الوقت نفسه «يقيم ردّه على أسّس قوية من الأدلّة المنطقية ، والبراهين العقليّة الّتي تؤيّدها الحقيقة ، ويقربها الواقع» (٤) ، وهذه من السمات الّتي طبعت اسلوبه وتميّز بها منهجه ، فالرجل كان عالما متمكّنا من علوم العربية ، واسع الإطّلاع ، قوي الحجّة.
وقد يأتي بالشاهد الشعري ليوضح ظاهرة نحوية خاصّة بالتعبير القرآني ، كما
__________________
(١) نفسه ، ٢ : ٥٨.
(٢) أمالي المرتضى ، ٢ : ٥٨ ـ ٥٩.
(٣) ينظر أمالي المرتضى في كثير من مواضعه ، وطيف الخيال في أغلب مواضعه ، والشهاب في الشيب والشباب في أغلب مواضعه ، وشرح القصيدة الذهبية.
وينظر أقوال المحدثين : مقدّمة طيف الخيار : ٢١ ، الشعراء العبّاسيون نقّادا ، منعم سالم الموسوي : ١٩٦ ، والرؤية النقدية عند الشريف المرتضى : ٤٦ ، (بحث).
(٤) رسالة طيف (لبهاء الدين الأربلي) ، مقدّمة المحقّق : ٣٤.