وتبدو آثار منهج المرتضى في توجيه النصّ القرآني وبيان دلالته واضحة وهو يؤول النصّ الشعري ، أعني تلك الظاهرة الواضحة الّتي طبعت أسلوبه ، وهي كثرة الوجوه الّتي يقلب عليها المسألة الواحدة ، ويتّضح هذا الشيء بجلاء في بيانه لدلالة انتصاب النجوم والقمر في بيت جرير السابق ، قال : «فأمّا بيت جرير فقد قيل في انتصاب النجوم والقمر ، وجوه ثلاثة : أحدها أنه أراد أن الشمس طالعة ، وليس مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر ... ، والوجه الثاني أن يكون انتصاب ذلك كما ينتصب في قولهم : لا أكلمت الأبد ، والدهر ، ... فكأنّه أخبر بأن الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وظهر القمر. والوجه الثالث أن يكون القمر ونجوم الليل باكين الشمس على هذا المفقود ، فبكتهنّ ، أي غلبتهنّ بالبكاء ؛ كما تقول ... وكاثرني فكثرته ، أي غلبته وفضلت عليه» (١).
وليس مثل هذا النقد المعتمد على تحليل النصّ بالشيء الجديد ، فذلك هو طريق النقاد القدامى ، وهو طريق ربما شقه أمامهم عمل الفقهاء في تحليل النصّ القرآني تحليلا يمكن صاحبه من استخراج الأحكام ، اما من ظاهر الآيات ، أو من تأويلها ، فاصطنع النقاد شيئا كهذا في تحليل الشعر بيتا بيتا ، وكلمة كلمة ، إعرابا وتركيبا (٢). وهو منهج لغوي معروف و «لا يقتصر على إنارة مواطن الحسن والتقاط القيم النفسية والشعورية الّتي تنبض بها الأبيات ، وإنّما يتعدّى ذلك إلى النظر في تلك اللغة من حيث موافقتها أو مخالفتها لمواصفات اللغة ، ونظامها المتعارف» (٣).
ومن المعروف أن المرتضى شاعر وناقد وله في ميدان الشعر ونقده آثار مهمّة ، كالشهاب في الشيب والشباب ، وطيف الخيال ، وكتاب الأمالي غني بمباحثة النقدية والأدبية ، وقد التفت إلى جهوده النقدية أكثر من باحث وناقد (٤).
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ١ : ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) ينظر في فلسفة النقد : ١٢٢.
(٣) النقد اللغوي عند العرب : ٢٢.
(٤) ينظر أدب المرتضى : المقدّمة ، ومقدّمة طيف الخيال : ص ٢١ ، ورسالة طيف : مقدّمة المحقّق : ٣٣ والشعراء العبّاسيون نقّادا : ١٩٦ ، والرواية النقدية عند الشريف المرتضى : ٢٤٥ (بحث).