ولم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا ، ولا جزعا ، وإنّما أراد نفي الفحش والجزع عن أخلاقهم» (١).
وفي ضوء هذا الفهم لأساليف العرب في التعبير يمضي المرتضى ويفصل القول في كلّ آية من هذه الآيات ، فقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) تغليط وتأكيد في تحذيرهم الكفر ، وهو أبلغ من أن يقول : «ولا تكفروا به» وكذلك قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) معناه لا مسألة تقع منهم ، وقوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)، معناه أن كلّ ثمن لها لا يكون إلّا قليلا وقوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) دلّ على أن قتلهم لا يكون إلّا بغير حقّ (٢). وهكذا فإنّ المرتضى يتوسّل بالنصّ الشعري لكي ينفذ إلى داخل النصّ القرآني ، أو بمعنى آخر فهو يجعل النصّ الشعري وسيلة لإبلاغ الفكرة القرآنية المقصودة.
ويقف المرتضى عند قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٣) ، ويتساءل : كيف يجوز أن يضيف البكاء إليهما ، وهو لا يجوز في الحقيقة عليهما؟ وفي الجواب يذكر أكثر من رأى منها : «أنه تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر ، وسقوط المنزلة ، لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت : كسفت الشمس لفقده ، وأظلم القمر ، ... يريدون المبالغة في عظم الأمر وشمول ضرره ؛ قال جرير (٤) يرثي عمر بن عبد العزيز :
الشمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
وهذا صنيعهم في وصف كلّ أمر جل خطبه ، وعظم موقعه ... قال النابغة (٥) :
تبدو كواكبه ، والشمس طالعة |
|
لا النور نور ولا الإظلام إظلام» (٦) |
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ١ : ـ ٢٢٨ ـ ٢٣٠.
(٢) ينظر أمالي المرتضى ، ١ : ٢٣١.
(٣) سورة الدخان الآية : ٢٩.
(٤) ديوانه : ٢٣٥. والرواية فيه :
فالشمس كاسفة ليست بطالعة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
(٥) ديوانه : ١٠٥.
(٦) أمالي المرتضى ، ١ : ٥ ـ ٥٢.