الخلاف ؛ لأنّا نقول : إن كانت القرينة هي العلم الضروريّ بتوقيف أهل اللسان على ذلك ، كما علمناه في حمار وأسد ، فكان يجب ألّا يقع خلاف في ذلك مع العلم الضروريّ ، كما لم يقع خلاف في أسد وحمار ، وان كانت القرينة مستخرجة بدليل وتأمّل ، وقد نظرنا فما عثرنا على ذلك ، ومن ادّعى طريقا إلى إثبات هذه القرينة فواجب عليه أن يشير إليه ، ليكون الكلام فيه ، وخصمنا لا يمكنه أن يدلّ على أنّ استعمال هذه اللفظة في الخصوص لا بدّ فيه من قرينة إلّا بأن يصحّ مذهبه في أنّ ذلك مجاز وعدول عن الحقيقة ، وهذا هو نفس المذهب.
وممّا يقال لهم : كيف وجب في كلّ شيء تجوّز أهل اللغة به من الألفاظ ، واستعملوه في غير ما وضع له ، كالتشبيه الذي ذكرناه في حمار وبليد ، وكالحذف في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) (١) و (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) ، والزّيادة في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) ، ونظائر ذلك وأمثاله ، وما يتفرّع إليه ويتشعّب ، أن يعلم أنّهم بذلك متجوّزون ، وقارنون إلى اللّفظ ما يدلّ على المراد ضرورة بغير إشكال ، ولا حاجة إلى نظر واستدلال ، ولم يجب مثل ذلك في استعمال صيغة العموم في الخصوص ، وهو ضرب من ضروب المجاز عندكم؟ فألّا لحق بهذا الباب كلّه في حصول العلم؟.
ويمكن أن يترتّب استدلالنا على هذه العبارة ، فنقول : قد ثبت بلا شكّ استعمال هذه اللفظة في العموم والخصوص ، وما وقّفنا أهل اللغة ولا علمنا ضرورة من حالهم مع المداخلة لهم أنّهم متجوّزون بها في الخصوص ، كما علمنا منهم ذلك في صنوف المجازات على اختلافها ، فوجب أن تكون مشتركة.
فإن قيل لنا : فلعلّ كونهم متجوّزين بها في الخصوص يعلم بالاستدلال ، دون الضّرورة ، فلم قصرتم هذا العلم على الضّرورة.
قلنا : كيف وقف هذا الباب من المجاز على الاستدلال ولم يقف غيره من
__________________
(١) سورة الفجر ، الآية : ٢٢.
(٢) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.
(٣) سورة شورى ، الآية : ١١.