ضروب المجازات في كلامهم على الاستدلال ، لولا بطلان هذه الدّعوى ، وفي خروج هذا الموضع عن بابه دلالة على خلاف مذهبكم ، وليس تجد هذا الدّليل مستقصى في شيء من كتبنا السّالفة على هذا اللحدّ ، فقد بلغنا غايته.
دليل آخر : وممّا يدلّ أيضا على صحّة مذهبنا أنّ استفهام المخاطب بهذه الألفاظ عن مراده في خصوص أو عموم يحسن من المخاطب بغير ريب وموضوع الاستفهام إذا وقع طلبا للعلم والفهم يقتضي احتمال اللّفظ واشتراكه بدلالة أنّه لا يحسن دخوله فيما لا احتمال فيه ولا اشتراك ألا ترى أنّه لا يحسن أن يستفهم عن مراده من قال : ركبت فرسا ، ولبست ثوبا ، لاختصاص اللّفظ وفقد احتماله ، ويحسن أن يستفهم من قال : رأيت عينا ، عن أيّ عين رأى؟ وهذا الجملة تقتضي اشتراك هذه الألفاظ بين الخصوص والعموم.
ومن خالف في حسن الاستفهام بحيث ذكرناه ، لا يخلو من أن يكون قائلا بحسن الاستفهام في موضع من الكلام ، أو ليس يحسن أصلا ، فإن ذهب إلى الأوّل ؛ قيل له : بيّن لنا حسن الاستفهام أين شئت من الكلام ، حتّى نسوّي بينه وبين حسنه في الخصوص والعموم ، وإن أراد الثّاني ، كان مكابرا دافعا للضّرورة ، فكيف يقال ذلك ، وقد جعل أهل اللغة الاستفهام ضربا مفردا من ضروب الكلام ، وخصّوه بحروف ليست لغيره.
فإن قيل : وجه حسن الاستفهام في ألفاظ العموم تجويز المخاطب أن يريد مخاطبه الخصوص على وجه المجاز.
قلنا : هذا يقتضي حسن الاستفهام في كلّ خطاب ، عن كلّ حقيقة ؛ لأنّ هذه العلّة موجودة ، وقد علمنا اختصاص حسن الاستفهام بموضع دون غيره ، فعلمنا أنّ علّته خاصّة غير عامّة.
وبعد ، فإنّ المخاطب إذا كان حكيما ، وخاطب بالمجاز ، فلا بدّ من أن يدلّ من يخاطبه على أنّه عادل عن الحقيقة ، وهذان الوجهان يسقطان قولهم : انّ وجه حسن الاستفهام أن السّامع يجوّز أن يكون مخاطبه أراد المجاز ، ودلّ عليه بدلالة خفيت على السامع.