ولا خلاف في أنّ الحكم المقيّد إذا خالف الحكم المطلق ، ولم يكن من جنسه ، فإنّ التّقييد لا يتعدّى إلى المطلق. وإنّما اختلف فيما قيّد وأطلق ، والجنس واحد ، كالكفّارات ؛ لأنّه تعالى أطلق الرقبة في كفّارة الظّهار ، وقيّدها في كفّارة القتل ، فقال قوم : أن المطلق يصير مقيّدا للظاهر ، لا للدّليل ، وقال قوم : يقيّد بالدليل ، والقياس ، وقال آخرون : لا يصحّ تقييده بالقياس ، من حيث يتضمّن الزيادة ، والزيادة في النصّ نسخ.
والدّليل على أنّ المطلق لا يقيّد لأجل تقييد غيره أنّ كلّ كلام له حكم نفسه ، ولا يجوز أن يتعدّى إليه حكم غيره ، ولو جاز تقييد المطلق لأجل تقييد غيره ، لوجب أن يخصّ العامّ لتخصيص غيره ، ويشترط المطلق على هذا الوجه ، وهذا يبطل الثقة بشيء من الكلام.
واحتجاجهم بأنّ القرآن كالكلمة الواحدة ، يبطل بالاستثناء والتّخصيص.
وقولهم : «الشهادة لما أطلقت في موضع ، وقيّدت في آخر ، حكمنا بتقييدها في كلّ موضع» يبطل بأنّ العدالة معتبرة في كلّ موضع ، وإنّما اشترطت لدليل هو غير ظاهر تقييدها في بعض المواضع.
فأمّا من يجعل القياس دليلا وطريقا إلى إثبات الأحكام ، فليس له أن يمتنع من تقييد الرقبة بدليل القياس ، إن اقتضى ذلك ، وإن كان زيادة ، وليس في الحقيقة زيادة ، لأنّ تقييد الرقبة بالإيمان يقتضي أن المجزي أقلّ ممّا كان يجزي ، وهذا في المعنى تخصيص ، لا زيادة ، ولا معتبر بزيادة اللّفظ ، لأنّ كلّ تخصيص بدليل شرعيّ لا بدّ من كونه زيادة في اللّفظ (١).
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٢٧٥.