أحدهما : أن يعلم باللّفظ من غير حاجة إلى غيره ، كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١).
والضرب الآخر : أن تعلم الغاية على سبيل الجملة ، ويحتاج في تفصيلها إلى دليل سمعيّ ، نحو قوله «دوموا على هذا الفعل إلى أن أنسخه عنكم» والدّليل الشرعي الوارد بزوال الحكم يوصف بأنّه ناسخ.
ومن شرط النسخ أن يكون في الأحكام الشرعيّة ، دون أجناس الأفعال.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها : أن يزول الحكم لا إلى بدل والثاني : أن يزول إلى بدل يضادّه ، ويكون نسخا. والثالث : أن يزول إلى بدل يخالفه.
فأمّا زواله لا إلى بدل ؛ فإنّما يكون نسخا ؛ لأنّه علم به أنّ مثل الحكم الثابت بالنصّ المتقدّم مرتفع في المستقبل ولأنه إذا زال إلى بدل ؛ فالّذي أوجب كونه منسوخا زواله لا ثبوت البدل ؛ لأنّه إن ثبت من دون زوال الأوّل ، لم يكن نسخا. ومن حقّ هذا الضرب أن لا يعلم نسخه إلّا بدليل دون الأحكام.
فأمّا ما يرتفع إلى بدل مخالف ؛ فمن حقّه أيضا أن لا يعلم إلّا بدليل سوى الحكم ؛ لأنّ الحكم إذا لم ينافه ؛ لم يعلم به كونه منسوخا ، ومثاله ما روي في وجوب صوم شهر رمضان أنّه نسخ صوم عاشوراء ، وأنّ الزكاة نسخ وجوبها سائر الحقوق. ومتى قيل فيما هذه حاله : «إنّ كذا نسخ بكذا» فمجاز ، والمراد به أنّ عنده علم نسخ الأوّل.
وأمّا النسخ بحكم يضادّه ، فقد يقع بثبوت الحكم ، وقد يقع أيضا بدليل ، وإنّما كان كذلك ؛ لأن تضادّ الحكمين دليل على زوال أحدهما بالآخر من حيث علم أنّهما لا يصحّ أن يجتمعا في التكليف. ولا شبهة في أن الحظر يضادّ الإباحة والندب ، والوجوب أيضا في حكم الضدّ للندب والإباحة ؛ لأنّ كونه مباحا يقتضي نفي ماله يكون ندبا وواجبا ، وكونه ندبا يقتضي نفي ما يكون له واجبا.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٧.