أن تفعل» ، وأنّ قوله : «لا تفعل» بمنزلة قوله : «إنّي أكره أن تفعل» ، وهذه الجملة تقتضي جواز دخول النسخ في مقتضى الأخبار ، كما دخلت في مقتضى الأمر والنّهي.
وإذا قيل : إنّ الخبر متى دخله النسخ ، اقتضى تجويز الكذب.
قلنا : والامر متى دخله النسخ ، أوجب البداء.
فإذا قيل : إن النسخ لا يتناول عين ما أريد بالأمر.
قلنا : مثل ذلك في الخبر.
وإنّما قال المتكلّمون قديما أنّ النسخ لا يدخل في الأخبار ، وأرادوا الخبر عمّا كان ، ويكون ، ممّا لا يتعلّق بالتكليف. ولا شبهة في جواز أن يدلّ الله تعالى على جميع الأحكام الشرعيّة بالأخبار. ومعلوم أنّ النسخ ـ لو كان الأمر على ما قدّرناه ـ متأتّ في الشريعة فوضح أنّ الأمر على ما ذكرناه.
فأمّا دخول معنى النسخ في نفس الأخبار فجائز ؛ لأنّه لا خبر كلّفنا الله تعالى أنّ نفعله إلّا ويجوز أن يزيل عنّا التكليف في أمثاله ، حتّى الخبر عن التوحيد ، ألا ترى أنّ الجنب قد منع من قراءة القرآن ، وقد كان يجوز مثله في الشهادتين. وكون هذا الخبر صدقا لا يمنع من إزالة التعبّد به إذا عرض في ذلك أن يكون مفسدة.
فإن قيل : أتجيزون مثل ذلك في العلم والاعتقاد.
قلنا : أمّا العلم الّذي علمنا وجوبه لكونه مصلحة لا يتغيّر ، كالمعرفة بالله تعالى ، فلا يجوز فيه النسخ ، لامتناع تغيّر حاله في وجه الوجوب.
وأمّا العلم بغيره فيجوز أن يكون مفسده ، وذلك وجه قبح ، فيجوز دخول النسخ فيه.