فعل الله تعالى عنده العلم الضروريّ لم يسبق بشبهة أو تقليد إلى اعتقاد نفي موجب الخبر ؛ لأنّ هذا العلم إذا كان مستندا إلى العادة وليس بموجب عن سبب ، جاز في شروطه النقصان والزيادة بحسب ما يعلم الله تعالى من المصلحة.
وإنّما احتجنا إلى هذا الشرط لئلّا يقال لنا : أيّ فرق بين خبر البلدان والأخبار الواردة بمعجزات النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى القرآن ، كحنين الجذع (١) وانشقاق القمر (٢) وتسبيح الحصى (٣) وما أشبه ذلك؟!. وأيّ فرق أيضا بين أخبار البلدان وخبر النص الجليّ على أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام الّذي تنفرد الإماميّة بنقله؟! وألّا أجزتم أن يكون العلم بذلك كلّه ضروريّا كما أجزتموه في أخبار البلدان؟! وغير ممتنع أن يكن السبق إلى الاعتقاد مانعا من فعل العلم الضروريّ بالعادة ، كما أنّ السبق إلى الاعتقاد بخلاف ما يولده النظر عند أكثر مخالفينا مانع من توليد النظر للعلم ، فإذا جاز ذلك فيما هو سبب موجب ، فأولى أن يجوز فيما طريقه العادة.
وليس لأحد أن يقول : فيجب على هذا أن لا يفعل العلم لمن سبق إلى اعتقاد نفي المعلوم ، ويفعل لمن لم يسبق ، وكان يجب أن يكون العلم الضروريّ حاصلا لجماعة المسلمين لما ذكرناه من المعجزات ، وكان يجب أيضا أن يكون الإماميّة عالمة بالنصّ ضرورة.
وذلك أنّه يمكن أن نقول : إنّ المعلوم في نفسه إذا كان من باب ما يمكن السبق إلى اعتقاد نفيه إمّا لشبهة أو تقليد ، لم يجر الله العادة بفعل العلم الضروريّ به ، وإن كان ممّا لا يجوز أن يدعو العقلاء داع إلى اعتقاد نفيه ، ولا يعترض شبهة في مثله ، كالخبر عن البلدان ؛ جاز أن يكون العلم به ضروريّا وواقعا عند الخبر بالعادة.
وليس لهم أن يقولوا : فأجيزوا أن يكون في العقلاء المخالطين لنا السامعين
__________________
(١) راجع سنن الدارمي ، ١ : ١٦.
(٢) راجع صحيح البخاري ، ٤ : ١٨٦.
(٣) فتح الباري ، ٦ : ٤٣٣.