باستحالة ذلك وأنّ حال الجماعة يخالف حال الواحد ضروريّ ، ولهذا جاز أن يخبر أحد من حضر الجامع في يوم الجمعة كاذبا بأنّ الإمام تنكس على أمّ رأسه من المنبر ، ولا يجوز أن يخبر بذلك جميع من حضر الجامع وهو كاذبون ، إلّا لتواطؤ ، أو ما جرى مجراه. وقد شبّه امتناع ذلك من الجماعة باستحالة اجتماع الجماعات على نظم بيت من الشعر على صفة واحدة ، واجتماعهم على تصرّف مخصوص ، وأكل شيء معيّن من غير سبب جامع. وشبّه أيضا بما نعلمه من استحالة أن يخبر أحدنا من غير علم عن أمور كثيرة ، فيكون الخبر بالاتّفاق صدقا ، ومن المعلوم جواز أن يخبر الجماعة الكثيرة بالصّدق من غير تواطؤ وما جرى مجراه. ولا يجوز مثل ذلك في الكذب ؛ لأنّ الصدق يجري في العادة مجرى ما فيه سبب جامع من تواطؤ أو ما جرى مجراه ؛ لأنّ علم المخبر بكون الخبر صدقا داع إلى الإخبار ، وليس كذلك الكذب ؛ لأنّ الكذب يحتاج إلى جامع عليه وداع إليه.
فأمّا ما به يعلم فقد التّواطؤ ؛ فإنّ الجماعات الّتي تروي الخبر ربما بلغت من الكثرة إلى حدّ يستحيل عليها معه التواطؤ بالمراسلة أو المكاتبة وعلى كلّ وجه ؛ لأنّا نعلم ضرورة أنّ جميع أهل بغداد لا يجوز أن يواطؤوا مع أهل الشّام لا باجتماع ومشافهة ولا بمراسلة ومكاتبة ، على أنّ التواطؤ فيمن يصحّ ذلك فيه من الجماعات مشافهة أو بالتراسل والتكاتب لا بدّ على مجرى العادة من أن يظهر لمن خالطهم واختبر أحوالهم ، والعادة شاهدة بثبوت هذا الحكم ، فغير ممكن دفعه. وأمّا ما يقوم مقام التواطؤ من الأسباب الجامعة كتخويف السلطان وخوف ضرره وما يجري مجرى ذلك فظهوره وعلم الناس به على مجرى العادة واجبان ؛ لأنّ الجماعة لا يجوز أن تجتمع لأجل خوف السلطان على الأمر الواحد إلّا بعد أن يظهر لهم هذا التخويف والترهيب المحوجان إلى اتّفاق دواعيهم ، وما هذه حاله لا بدّ من العلم به والقطع على فقده إذا لم يظهر عليه.
وأمّا ما به يعرف ارتفاع اللبس والشبهة عمّا تخبر به الجماعة ؛ فهو أن تخبر الجماعة عن أمر مدرك بمشاهدة أو سماع يعلم انتفاء أسباب اللبس والشبهة عن