لدعائهم حظّ الإنذار والتنبيه على النظر في الحجج والأدلّة. قلنا : فأجروا الشرائع هذا المجرى وقولوا : إنّ هؤلاء الرسل إنّما دعوهم إلى الشرائع ، لا لأنّ قولهم حجّة فيها ، بل للتنبيه على النظر في إثباتها ، والرجوع إلى التّواتر وما جرى مجراه في العمل بها ، ولا فرق بين الأمرين.
ويقال لهم : لا بدّ من أن يكون الّذين في أطراف الأرض قد قامت عليهم الحجّة بالعمل بأخبار هؤلاء الرسل حتّى يجب عليهم العمل بأخبارهم ، وليس يجوز أن يعلموا ذلك من جهة هؤلاء الرسل ؛ لأنّ أخبار هؤلاء الرسل أكثر ما يوجبه الظّنّ ، وهي غير موجبة للعلم ، ووجوب العمل بأقوالهم يجب أن يكون معلوما مقطوعا عليه. فإذا قيل : يعلمون ذلك بالأخبار المتواترة الّتي ينقلها إليهم الصادر والوارد ، قلنا فأجيزوا أيضا أن يعلموا الشرائع الّتي يطالبهم بالعمل بها هؤلاء الرسل من جهة التواتر والنقل الشائع الذائع ، ويكون حكم ما تحمّلوه من الشرع في طريق العمل حكم العلم بأنّهم متعبّدون بالعمل بأقوالهم ، ولن يجدوا بين الأمرين فرقا.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : هذه الطريقة إنّما تدلّ على جواز ورود التعبّد بالعمل بأخبار الآحاد ، ولا تدلّ على ثبوته ، والجواز لا خلاف بيننا فيه ، وإنّما الخلاف في الوقوع ، فإن قستم قبول خبر الواحد على المفتي بعلّة فقهيّة جامعة بينهما كان لنا قبل النظر في صحّة هذه العلّة أن نقول لكم : التعبّد بالعمل بخبر الواحد عندكم معلوم مقطوع عليه ، ولا يجوز إثبات مثله بطريقة الاجتهاد الّتي لا تقتضي إلّا الظنّ. وقد فرّق بين المفتي والمخبر الواحد بأنّ المفتي يجب أن يختصّ بشروط : مثل أن يكون من أهل الاجتهاد ، ولا يجب مثل ذلك في الخبر الواحد. والمفتي يخبر عن نفسه ، والمخبر الواحد يحكي عن غيره. والمستفتي يخبر في العلماء ، وليس كذلك سامع خبر الواحد. والكلام على حمل ذلك على الشهادة يجري مجرى الكلام على من حمله على قول المفتي ، من أنّه قياس ، والقياس لا يسوغ في مثل هذا الموضع. وقد قال بعض المحصّلين من العلماء : أنّ الشهادة أصل في بابها ، فكلّ فرع منها أصل في بابه ، فكما لا يقاس