وذهب أبو هاشم وجماعة من الفقهاء إلى أنّ ذلك حجّة ، وإن لم يكن إجماعا ، وقال آخرون من الفقهاء : ليس ذلك بحجّة ولا إجماع ، وإليه ذهب كثير من أهل الظّاهر ، وهو مذهب أبي عبد الله البصريّ ، وهو الصحيح الّذي لا شبهة فيه.
وإنّما قلنا : أنّه الصحيح دون ما عداه ؛ لأنّ السكوت عن الإنكار لا يدلّ على الرضا به ؛ لأنّه قد يكون لأمور مختلفة ، ودواع متبائنة ، من تقيّة ، ورهبة ، وهيبة ، وغير ذلك من الأسباب المعتادة في مثله ، وإنّما يقتضي الرضا إذا علمنا أنّه لا وجه له إلّا الرضا ، ولا سبب له يقتضيه سواه ، وإذا لم يدلّ الإمساك عن النكير على الرضا ، فلا دلالة فيه على وقوع الإجماع ، ومن رأى ممّن يطعن على هذه الطريقة أنّ كلّ مجتهد مصيب يقول زائدا على ما ذكرناه : إنّ الامساك عن النكير إنّما يدلّ على أنّ ذلك الفعل أو القول ليس بمنكر ، وقد يجوز أن لا ينكر القول على قائله ، لأجل أنّه صواب من القائل ، وإن لم يكن عند من أمسك عن النكير صوابا في حقّه ، وقد يستصوب عند أهل الاجتهاد بعض الأفعال من غيره ، وإن لم يعتقد أنّها صواب في حقّه ، وما يرجع إليه. ومن لا يرى صحّة الاجتهاد لا يفصّل بهذا التفصيل ، فإذا كان ترك النكير لا يدلّ على الرضا ، فلا يجب أن نستفيده منه ، وإذا لم يقطع عليه ، فلا إجماع في ذلك ولا حجّة.
فأمّا تعويل أبي هاشم وغيره في أنّه حجّة وإن لم يكن إجماعا على أنّ الفقهاء يعتمدونه ، ويعوّلون عليه ، ويحتجّون به فليس بشيء ؛ لأنّه غير مسلّم لهم أن جميع الفقهاء يحتجّون به. ثمّ لو سلّم ذلك ، لم يكن في فعلهم حجّة ؛ لأنّ تقليدهم غير جائز.
وممّا طعن به على هذه الطريقة زائدا على ما ذكرناه أن قيل : الإمساك عن النكير لا يدلّ على التصويب ؛ لأنّه غير منكر أن يكون الممسك شاكّا في كون ذلك منكرا ، أو متوقّفا ، وإنّما يجب أن ينكر المنكر إذا علمه منكرا.
وما يقال على هذه الطريقة من أنّه لا يجوز أن ينقرض العصر ، ويمتدّ الزمان على هذا الشكّ والتوقّف ، ليس بمعتمد أيضا ؛ لأنّ الشك قد يجوز أن يستمرّ