فلقد كان الكثير ممّن عاشوا في هكذا بيئة وتعرفوا على علماء بغداد الكبار لكنّهم لم يسعوا للاستفادة من هؤلاء العلماء وما أكثر أولئك الّذين كانوا ينتسبون إلى عوائل كبيرة لكنّهم اكتفوا بنسبهم ولم يجدّوا في طلب العلم ؛ فما هو مؤثّر في مسير نموّ وازدهار إنسان ما إنّما هي العناية والرعاية الألهية بهذا الإنسان ، فإذا ما تهيأ الإنسان فإنّ جميع الاستعدادات الوراثية والاكتسابية تبدأ بالازدهار.
لقد نال السيّد المرتضى هذه العناية الإلهية وقد شمله لطف الله وعنايته وصار كما هو ؛ قال ابن ابي الحديد : حدّثني فخّار بن معد العلوي الموسوي رحمهالله قال : رأى المفيد أبو عبد الله محمّد بن النعمان الفقيه الإمامي في منامه كأنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليهما دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهماالسلام صغيرين فسلمتها إليه وقالت له علّمهما الفقه فانتبه متعجّبا من ذلك فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة الّتي رأى فيها الرؤيا دخلت إلى المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها إبناها محمّد الرضي وعليّ المرتضى صغيرين فقام إليها وسلّم عليها فقالت له : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلّمهما الفقه فبكى أبو عبد الله وقصّ عليها المنام وتولّى تعليمهما الفقه وأنعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر (١).
الفصل الثاني
لقد ذكرنا سابقا أنّ معرفة أي مدرسة علميّة لعالم ما وكذا دوافعه الفكريّة يتطلّب مجالا واسعا ؛ وبما أنّ هذا ليس ما نرومه في بحثنا هذا لذلك لم يكن سعينا البحث في آراء ونظريات السيّد المرتضى بل نروم إلى بحث إجمالي في منهجيته العلمية لنحصل على إجابات على الأسئلة المطروحة.
وللحصول على تلك الإجابات ينبغي البحث في الأرضية السياسيّة
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ، ١ : ٤١.